الطاهر ساتي يكتب : جراح الصحة .. هل من طبيب يداويها .؟
كما فَقدت ساحة الفكر والسِّياسة، حكيم الأمة الإمام الصادق المهدي، فَقدت ساحات أخرى عُلماء وأعزاء آخرين، انتقلوا إلى رحمة الله بعد صراع مع (وباء كوفيد – 19)، نسأل الله لهم الرحمة، ولأُسرهم وأحبابهم الصبر.. فَقَدَ القطاع المصرفي د. علي عمر مدير عام بنك الخليج، وفَقَدَ قطاع الأطباء د. كامل محمد عبد الله استشاري طب العيون وكوكبة من العلماء، وفَقَدَ قطاع التعليم والإدارة شريف خاطر أحد رموز الرعيل الأول، وفَقَدَت الشرطة اللواء شرطة طبيب عادل أبو المعالي مدير عام مستشفى الشرطة، و.. هكذا..!!
:: لقد عاد (وباء كوفيد – 19) أشرس مِمّا كان.. ولا تُوجد أرقام دقيقة، ولكن كما تعكس المراثي و غزارة النعي بوسائل التواصل، فإنّ ارتفاع مُعدّل الوفيات في المجتمعات، وخاصّةً كبار السن، بات ملحوظاً.. نعم هي أقدار الله، نصبر عليها ونؤمن بها، ولكن مع العمل على درء مخاطر هذا الوباء بكل الوسائل المُتاحة.. والمُؤسف أنّ وزير الصحة المُكلّف نعى النظام الصحي في المؤتمر الصحفي الأخير، ووصف وضعه بالانهيار..!!
:: لم تتعلّم الحكومة من دروس (الموجة الأولى).. فالنظام الصحي في بلادنا (كما هو)، أي موروث من النظام المخلوع، ولا بوادر للإصلاح.. فالدول من حولنا تُكافِح الأوبئة والأمراض بالأنظمة الصحية (المثالية)، قبل الطوارئ واستجداء المنظمات.. ولكن نحنُ، للأسف، نظامنا الصحي – في حد ذاته – يكاد يكون من مصادر الأمراض والأوبئة، بدلاً من أن يكون حائط صد..!!
:: فالخارطة الصحية الحالية تُرغم المواطن على الموت بعيداً عن المشافي أو تَكبُّد مشاق الرحلة بحثاً عن العلاج.. وبالدول ذات الخارطة الصحية الواعية، فالأصل في تقديم الخدمة العلاجية للمريض – والمشتبه به – يتمثّل في عُنصري (الزمن والتدرُّج).. أي عند إصابة المواطن بأي طارئ أو عند شعوره بأعراض وباء أو مرض، فإن أولى محطات رحلة العلاج هي أقرب مركز صحي، وهذا غير متوفر في المجتمعات..!!
:: فالرهان – في مكافحة الوباء أو علاج المرض – دائماً على عنصري الزمن و التدرُّج.. مركز صحي ثم مستشفى ثانوي أو (حجر صحي، في حالات الأوبئة)، ثم مستشفى مرجعي.. ولكن في بلادنا، ناهيكم عن كورونا التي فترة حضانتها بالأسابيع، بل حتى عند التعرُّض لأخطر حادِث حركة، فالكل يُفكر في نقل المُصاب إلى المستشفى المرجعي مباشرة، ولو كان على بُعد (100 كلم)، ليصل نازِفاً أو مَيِّتاً..!!
:: نعم، فالعام لا يكفي لتأسيس النظام الصحي المنشود، ولكن يكفي لوضع خطة لإنشاء وتأهيل المرافق في السودان وفق خارطة منظمة الصحية العالمية، أو هذا ما كان يجب أن يتصدر قائمة أولويات مجلس الوزراء، حتى لا يرتبِك ويضطرب (كما يفعل حالياً)، وحتى لا يصبح علاج الأمراض أو مكافحة الأوبئة (مركزياً فقط)، كما الحال الآن.. وللأسف، ناهيك عن الشروع في الإصلاح، لم تفكر الحكومة حتى في مجرد إعداد خطة أو مؤتمر للإصلاح.. ومن المفارقات فإن وزير الصحة في زمان الأوبئة (مُكلف)..!!
:: ثم أزمة الدواء، تتواصل منذ الموجة الأولى.. ولم تضع الحكومة حلاً لهذه الأزمة (حتى الآن).. واليوم، ما بين مطرقة عدم توفر الأدوية وسندان غلاء أسعارها يتعذب المريض أو يموت، ولا نسمع للمسؤولين (حساً)، ولا نرى لهم (حراكاً)، وكأن الأمر لا يعنيهم.. في هذه الظروف، كان يجب أن تكون الأدوية في متناول يد الجميع، وخاصة الفقراء.. ولا فرق بين مخاطر كورونا ومخاطر عدم توفر الأدوية، إذ كل المخاطر تؤدي إلى الموت..!!
أهم الحلول..!!
:: مجانية الحوادث والطوارئ (مُهمٌ للغاية)، ليس في المشافي العامة فقط، بل حتى المشافي الخاصة.. وعلى سبيل المثال، ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﻤﺼﺮية، ﻧﻘﺘﺒﺲ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ: (ﺗﻠﺘﺰﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺑﺘﻮﻓﻴﺮ ﺍﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﻮﺍﻃﻦ، ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﻤﺠﺎﻥ ﻟﻐﻴﺮ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭﻳﻦ، ﻭﻳﺤﻈﺮ ﺍﻻﻣﺘﻨﺎﻉ ﻋﻦ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﻌﻼﺝ ﺑﺄﺷﻜﺎﻟﻪ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻜﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺣﺎﻻﺕ ﺍﻟﻄﻮﺍﺭﺉ، ﻭﺗﺨﻀﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻨﺸﺂﺕ ﺍﻟﺼﺤﻴﺔ ﻹﺷﺮﺍﻑ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺭﻗﺎﺑﺘﻬﺎ ﻭﻓﻘﺎً ﻟﻠﻘﺎﻧﻮﻥ)، ﻫﻜﺬﺍ ﺍﻟﻨﺺ..!!
:: ﺃﻣﺎ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ، ﻛﻤﺎ يحدث ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﺼﺮﻱ، ﻓﺎﻟﻤﺸﺎﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣُﻠﺰﻣﺔ ﺑﻌﻼﺝ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻡ ﻭﻏﻴﺮ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ.. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺸﺎﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ، ﻓﻬﻲ ﻣﻠﺰﻣﺔ ﺑﺎﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﻄﺎﺭﺋﺔ – ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﺍﻟﺨﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺮﻳﺾ – ﺑﻐﺾ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻭﻣﻮﺍﻧﻊ ﺍلاﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻄﺎﺭﺋﺔ.. ﻫﻜﺬﺍ ﺩﺳﺘﻮﺭ ﻣﺼﺮ، ودول كثيرة، ﻳُﻠﺰﻡ ﺍﻟﻤﺸﺎﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ باﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﻄﺎﺭﺋﺔ – إصابات الحوادث وغيرها – مجاناً، وهذا ما يجب أن يكون في بلادنا بالقانون، إن كانت الحكومة حريصة على أروح أفراد شعبها..!!
:: أما الأدوية المراد تحرير أسعارها، فهذا ما يجب أن يكون (خطاً أحمر).. فالأدوية ليست من الكماليات، وكذلك أهميتها تختلف عن أهمية السلع والوقود وغيرها، ولذلك يجب التأني والدراسة قبل اتخاذ أي قرار حول أسعارها.. وإن كان هناك أي دعم حكومي يجب أن يكون (للأدوية)، وليس لأي سلعة أخرى.. للرغيف بدائل، وكذلك للمركبات، ولكن لا بديل للأدوية غير الموت.. ولذلك، فإن تحرير أسعار الأدوية في الوقت الراهن يعني موت العاجزين عن شرائها، وما أكثرهم..!!
:: وأغرب ما في أزمة أسعار الأدوية، هو تجاهُل الحكومة لأهم الحلول.. فالتأمين الصحي هو الحل الأمثل لهذه الأزمة، بحيث يدفع المريض فقط ربع تكاليف العلاج.. وكان على مجلس الوزراء إصلاح قوانين ومؤسسات التأمين الصحي، قبل التفكير في تحرير أسعار الأدوية.. والشاهد حالياً رغم ارتفاع تكاليف العلاج، لا يزال التأمين الصحي (متخلفاً).. وعلى سبيل المثال، فإن مظلة التأمين – مقارنة بحجم السكان ونسبة الفقر – دون الطموح.. وهناك عجز عن توسيع المظلة بحيث تشمل كل الناس وكل الأمراض وكل الأدوية..!!
:: وعليه، ليس تحرير أسعار الأدوية، بل إلزام الناس بالدخول إلى مظلة التأمين الصحي، يجب أن يكون من أولويات مجلس الوزراء.. والسؤال، إن كان تأمين السيارة (إلزامياً)، فلماذا لا يكون تأمين علاج المريض إلزامياً أيضاً عبر آلية رقابية؟.. فالتأمين الصحي فكرة تتكئ على روح التكافل، بحيث يتكفل المجتمع علاج الفرد.. ولكن باللا مبالاة، يهدر المواطن الكثير من الحقوق، ومنها حق العلاج بواسطة بطاقة التأمين الصحي.. وكذلك سياسة التأمين الصحي من أسباب فقدان ثقة الناس..!!
:: ولإعادة ثقة الناس إلى التأمين الصحي، فعلى مجلس الوزراء مراجعة وتطوير سياساته وتشريعاته (المتخلفة).. فالمظلة العلاجية لا تشمل كل التخصصات، ويجب أن تشمل، إذ من الظلم أن يدفع المواطن رسوم التأمين (شهرياً) ثم يتفاجأ بأن علاج مرضه خارج مظلة التأمين.. ثم إنّ الكثير من الأدوية خارج قوائم أدوية التأمين.. وكذلك آفة الاحتكار، إذ ليس عدلاً أن تحتكر بعض المشافي والمراكز (علاج التأمين)، وأن تحتكر بعض الصيدليات (أدوية التأمين)..!!
*مرضى الأمراض المزمنة ..!!
:: لقد عاد “وباء كوفيد – 19” أشرس مما كان.. لا توجد أرقام دقيقة، ولكن كما تعكس غزارة النعي بوسائل التواصل، فإن ارتفاع معدل الوفيات، وخاصة كبار السن، بات ملحوظاً.. وبالمناسبة، ليس فقط أرقام الوفيات والإصابات الصادرة عن وزارة الصحة، بل كل الأرقام والإحصائيات الصادرة عن أجهزة الدولة الأخرى في قطاعات أخرى، مجرد (كلام ساكت)، أي غير دقيقة ولا أقرب إلى الدقة.. وهذا حال كل الدول العشوائية التي أجهزتها ومؤسساتها لا تتقن الرصد والرقابة والإحصاء..!!
:: قد تلجأ السلطات إلى وسيلة الحظر الكامل – أو الجزئي – كما فعلت في مارس والأشهر التالية، وقد تُرجئ بداية العام الدراسي المقرر لها 21 نوفمبر الجاري، ولكن لن يكون هذا الحظر سهلاً.. فالناس يتزاحمون في صُفُوف الوقود والرغيف والغاز.. وتراهُم سُكارى في الأسواق وما هم بسُكارى، ولكنهم يترنّحون من هَول الغلاء.. وما لم يجد الدعم، فإنّ مُواطناً بهذا الحال البائس لن يلتزم بالحظر أسبوعاً، ناهيك عن أسابيع..!!
والمؤسف، يعود الوباء والبلاد تشهد فجوة دوائية هي الأكبر خلال العقود الأخيرة.. وما بين مطرقة عدم توفر الأدوية وسندان غلاء أسعارها يتعذب المريض أو يموت، ولا نسمع للمسؤولين (حساً)، ولا نرى لهم (حراكاً)، وكأن الأمر لا يعنيهم.. وفي هذه الظروف، لا خيار غير توفير الأدوية، بحيث تكون في متناول يد الجميع، وخاصة الفقراء.. رفع الدعم عن الدواء، مع توالي ارتفاع سعر الدولار، وفي ظل هذا الوباء، مَسألة (غير أخلاقية)..!!
:: فالأدوية ليست أثاثات منزلية بحيث ترفع عنها الحكومة الدعم (نهائياً).. وقضية الساعة، يا من نلقبهم بالمسؤولين، يجب أن تكون أسعار الأدوية.. ولا فرق بين مخاطر كورونا ومخاطر غلاء الأدوية، إذ كل المخاطر تؤدي إلى الموت.. وبعد التوكّل على الله، علينا الرّهان على الوقاية.. نعم، فالرهان الأكبر لمكافحة (الموجة الثانية) في الوقاية، وليس في العلاج.. وبما أن الوقاية بيد المُواطن، يجب أن يكون يقظاً لحين تجاوُز هذه المَرحلة أيضاً..!!
:: صحيح، بفضل الله، في (الموجة الأولى)، فإنّ بلادنا كانت أفضل حالاً من دول كثيرة.. ولكن هذا لا يعني أن يتجوّل الشعب مُطمئناً في (الموجة الثانية).. فالبلاد بحاجةٍ إلى وقت لتجاوُز مَخاطر الوباء، وخلال أشهر الشتاء يجب أن يَكُون المُواطن أكثر حِرصَاً على حماية نفسه وعزلها عن مصادر الوباء.. مصادر الوباء معروفة، والازدحام إحداها، وكذلك عدم غسل اليدين بعد لمس الأسطح، والمُصافحة.. كُن نظيفاً، فالوقاية المُثلى في النظافة..!!
:: والمحزن، لم تتعلم السلطات من درس (الموجة الأولى)، بحيث تعمل على تحسين المرافق الصحية، لترصد وترعى ذوى الأمراض المزمنة، وهم الأكثر عرضة للوفاة بداء كورونا.. لتحسين الرعاية، وتسهيل المُتابعة، تحرص النظم الصحية في الدول ذات الأنظمة الراشدة، على إعداد سِجِلات مرضى الأمراض المُزمنة ثُمّ تحديثها دورياً.. ولأنّ حال النظام الصحي في بلادنا (مُنهَارٌ)، لا يُوجد سِجِلٌ رسميٌّ لمرضى الأمراض المُزمنة..!!
:: نعم، مرضى السرطان، السُّكّري، القلب والفشل الكلوي.. و.. و.. كل مرضى الأمراض المزمنة، لا تُوجد لهم سِجِلات في المراكز الصحية بحيث تتم مُتابعتهم، وخَاصّةً هُم الأكثر عُرضةً لفيروس “كورونا”.. وكثيرة هي النواقص في هذا القطاع المُتردِي.. ولكن الوقت حالياً لوقاية الشعب من هذا القاتل الغَامض “كورونا”.. على الأُسر أن تكون مسؤولة عن وقاية أفرادها حتى تعبر البلاد هذا الشتاء..!!
الطاهر ساتي-صحيفة الصيحة