زهير السراج

الحفلة انتهت !

* طالبت كثيرا وما زلت، بأيلولة شركات واموال القوات النظامية الى وزارة المالية باعتبارها المسؤول الاول عن ادارة المال العام، وأن يتفرغ العسكر لمهامهم الاساسية ويتركوا كل تخصص لأصحابه، بدلا عن ممارسة التجارة والاستيراد والتصدير والتنقيب والتعدين، بدون أن يصغى أحد !

* كما طالبت عشرات المرات بتسليم المخلوع وبقية المتهمين المطلوبين في جرائم دارفور الى المحكمة الجنائية الدولية والتعاون الكامل مع المحكمة حسب قرار مجلس الامن رقم 1593 ، ولكن ذهبت أصواتنا أدراج الرياح!

* ربما لم يدرك او يفهم الذين يقع عليهم عبء الاستجابة، أن التعامل مع هاتين القضيتين بجدية يعنى للعالم الخارجي جدية السلطة الانتقالية ــ (خاصة المكون العسكري) في الالتزام بالمواثيق والقوانين والقرارات الدولية، سواء العامة التي تتعلق بحقوق الانسان والديمقراطية ..إلخ، أو الخاصة بالسودان مثل قرارات مجلس الامن، مما يؤدى الى تطبيع العلاقة بين العالم والسودان والمساعدة في حل مشاكله!

* قد لا يعرف البعض ان النظام البائد وافق في مرحلة المشاورات الاولية بين القوى الخمسة العظمى في مجلس الامن في قضية دارفور على مقترح روسي بإحالة ملف جرائم دارفور الى المحكمة الجنائية الدولية كبديل لمقترح أمريكي بريطاني فرنسي مشترك رفضته دولتا روسيا والصين، بإصدار عقوبات مباشرة عليه تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة الذى يتيح التدخل العسكري ، فصدر القرار 1593 بإحالة ملف الجرائم الى المحكمة وإلزام السودان بالتعاون معها!

* رحب النظام البائد بالقرار واعتبره نصرا له، وفتح ابواب السودان للمدعى العام السابق للمحكمة الجنائية ليجري تحقيقاته في دارفور ومقابلة المسؤولين والمواطنين، ثم رفضه لاحقا عندما احس بخطورته عليه، وكانت نقطة التحول توجيه التهمة لعلى كوشيب وأحمد هرون وإصدار أمر بالقبض عليهما، قبل ان تصدر لاحقا التهم واوامر القبض ضد المخلوع وآخرين، ويُقال أن القائمة الاولية للمتهمين تشمل 51 من كبار المسؤولين، لا يزال بعضهم في السلطة !

* بعد سقوط النظام البائد، ظل المكون العسكري يتعامل بنفس الرفض والاستخفاف مع ملف المحكمة الجنائية، بالإضافة الى استخفافه بملف أموال وممتلكات المنظومة العسكرية والمطالبات المتكررة بأيلولتها لوزارة المالية، معتقدا أنه يستطيع التعامل معهما بما يحقق رغبته او رؤيته بدون أن يضايقه أحد مع انشغال العالم بأزمة الكورونا والقضايا الاخرى مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والانتخابات الامريكية ..إلخ، كما اعتمد على الدعم السياسي الذى يجده من السعودية والامارات ومصر ووجود الرئيس الأمريكي (ترامب) في الحكم الذى لا تشغله قضايا حقوق الانسان والديمقراطية، ثم جاءت رحلة شهر العسل والغزل والتطبيع مع اسرائيل المفروضة عليه لتجعله يطمئن تماما الى موقفه ويتجاهل كل الاصوات التي تطالبه بالحد من طموحه الزائد في الهيمنة على السلطة، والتعامل بجدية مع ملف الحكمة الجنائية وممتلكات واموال الاجهزة العسكرية، ولكنه لم يستجب!

* فضلا عن انه لم يدرك، ولا يزال، أن العالم الغربي يختلف عن عالمنا، وأن الأمر ليس كله في يد الرؤساء، وتستطيع مؤسسات الحكم المراقبة واصدار القرارات والقوانين والمحاسبة، فظل سادرا في غيه وضلاله إلى ان فوجئ بإصدار الكونجرس الأمريكي (مجلس النواب + مجلس الشيوخ) لقانون يوم الجمعة الماضية اطلق عليه اسم (قانون الانتقال الديمقراطي في السودان والمساءلة والشفافية المالية للعام 2020)، وهو باختصار شديد عبارة عن برنامج عمل إلزامي للسودان خلال الفترة الانتقالية يضع حدا لهيمنة العسكر على السلطة والاموال والاعمال التجارية والتنقيب والتعدين ..إلخ، ويدعم عملية الانتقال الديمقراطي وتعزيز قبضة المدنيين على السلطة بما ذلك المؤسسات العسكرية، ويجعل من ذلك شرطا ملزما للتعاون مع السودان وتخفيض او إلغاء الديون ..إلخ.

* وفى الوقت نفسه، رفعت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية مذكرة لمجلس الامن اتهمت فيها الحكومة السودانية بعدم التعاون وطلبت من المجلس إلزامها بالسماح لمحققي المحكمة بزيارة دارفور لجمع الادلة ومقابلة الشهود ..إلخ وهو ما ظل المكون العسكري يماطل فيه ويعمل على تأخيره، معتمدا على الاوراق التي يمسك بها، بدون ان يعلم انها يمكن ان تسقط من يده في أي لحظة مثل اوراق الخريف ولا يكون لديها أي قيمة تذكر!

* الآن سقط ترامب .. وربما تنتهى رحلة شهر العسل بين العسكر واسرائيل نهاية مأساوية بسقوطه، خاصة مع عدم حسم موضوع التعويضات حتى هذه اللحظة، وقريبا سيدخل الى البيت الابيض رئيس ديمقراطي له نظرة مختلفة الى حقوق الانسان ربما تجعل كل الانظمة الدكتاتورية مشغولة بنفسها ولن يكون لديها وقت أو رغبة او شجاعة في دعم العسكر في السودان، كما أن الكونجرس الأمريكي قال كلمته ورسم له خارطة الطريق التي يجب ان يلتزم بها السودان خلال الفترة الانتقالية، ووضعت مدعية المحكمة الجنائية (فاتو بنسودا) ملف دارفور امام مجلس الأمن!

* باختصار .. الحفلة انتهت، فماذا سيفعل العسكر ؟!

***********

زهير السراج – صحيفة الجريدة

تعليق واحد

  1. “وافق شن طبقة”، أعجبني مقالك إلا أنه كان خاليا من سيناريو خطير: ما إمكانية تدخل مدنيي الشارع، الشباب، بمقاومة مسلحة ودامية إذا إستمر الحال على ما هو عليه الآن؟