تشريعات.. لتقليص الخطر
* نتفق مع رئيس الوزراء، د. عبد الله حمدوك في حديثه عن صعوبة اللجوء إلى خيار الإغلاق الكامل، على الرغم من ارتفاع مد الموجة الثانية من جائحة الكورونا، وخطورتها البائنة، ووفرة حصدها للأرواح، سيما بين كبار السِن وأصحاب الأمراض المُزمنة.
* لا تمر علينا ساعة من دون أن نقرأ نعياً، أو نسمع صياحاً موجعاً ينبئ برحيل أحد الأحبة، ومع ذلك نرى أن الإغلاق الشامل ليس الحل الأمثل للأزمة المستحكمة، بسبب تداعياته الموجعة، وارتداداته الكارثية، لا على الاقتصاد وحده كما ذكر رئيس الوزراء، بل على شعبٍ بات غالب أهله مُصنفين في زُمرة الفقراء المُعدمين، ممن يكدِّون لتوفير قوت يومهم، في ظل ارتفاعٍ مهولٍ للأسعار، وانخفاضٍ مريعٍ في القوة الشرائية للعملة الوطنية، التي وصلت ما دون الحضيض.
* إغلاق البلاد ومنع الناس من الخروج إلى العمل سيعني الحكم على الملايين بالموت جوعاً، وغني عن القول إن غالب هؤلاء لن يلتزموا قطعاً بأي قرارٍ مماثلٍ، وسيخرجون من منازلهم للحصول على ما يعينهم على توفير قفة الملاح والخبز وحليب الأطفال، بغض النظر عن العقوبات التي قد تُوقع عليهم، أو الخطر المحدق بهم.
* استبعاد خيار الإغلاق لا يعني ترك الأمور على حالها، وعدم اتخاذ إجراءات موازية لمحاصرة آثار الموجة القاتلة، وتقليص مخاطرها على الناس.
* من الضرورة بمكان سن تشريع فوري يلزم المواطنين بارتداء الكمامات، مع السعي لتوفيرها لهم بالمجان، أو بقيمة رمزية، بعد أن بلغ ثمن الكمامة الطبية العادية خمسين جنيهاً، سيصعب على محدودي الدخل تحملها، علماً أن فترة فعاليتها لا تتجاوز أربع ساعات.
* التشدد في إجراءات النظافة والتعقيم وهجر المصافحة، وتقليص عدد العاملين في مؤسسات الدولة إلى النصف مهم أيضاً، مع حض شركات القطاع الخاص على اتباع إجراءات مماثلة، تشمل إعفاء كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة من العمل إلى حين انجلاء الغُمة، وانحسار الوباء اللعين.
* بالنسبة إلى الأسواق العامة نقترح تقليص ساعات العمل فيها، مع إلزام أصحاب المتاجر باتباع الاحترازات الصحية، وتوجيه الزبائن بتنفيذ مبدأ التباعد الاجتماعي، وفتح باب التطوع لشباب لجان المقاومة للمشاركة في توعية الناس بالخطر، وحضهم على التقيد بالإرشادات الصحية، وتزويد من لا يمتلكون كمامات بها.
* التعويل على استجابة الناس للإرشادات الصحية طوعاً غير مجدٍ، لذلك لابد من إصدار تشريعات ملزمة، تشارك الشرطة وبقية القوات النظامية في تنفيذها بالحسنى، ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
* من لا يستجيبون للحسنى يخضعون إلى المحاسبة، لكن المشكلة ستظل قائمة في صفوف الخبز والوقود، بعد أن فشلت الدولة في توفير السلعتين للناس.
* قرار إغلاق الجامعات والمدارس دخل حيز التنفيذ فعلياً، ولتقليص حجم أضراره نقترح على وزارة التعليم العالي إلزام الجامعات بتنفيذ خيار الدراسة عن بُعد (On Line Classes)، سيما وأن طلابها تعطلوا كثيراً عن الدراسة، وضاعت عليهم سنة غالية، على أيام الثورة وفي بدايات عهد الجائحة.
* بالطبع لن يكون في مقدور المدارس الحكومية تنفيذ ذلك المقترح، بسبب انعدام مُعينات التقنية فيها، أما مدارس التعليم الأجنبي فتستطيع أن تستمر في الدراسة عن بُعد، وعدد تلاميذها ليس هيناً، سيما وأن التقويم الخاص بها يختلف في الأصل عن تقويم المدارس الحكومية.
* التدابير المذكورة ينبغي أن تتزامن مع خطة شاملة، تستهدف إنعاش وتحسين أداء المستشفيات والمراكز الصحية، مع يقيننا التام بأننا لا نمتلك نظاماً صحياً في الأصل كي نتحسر على انهياره.
* مطلوب من الدولة أن تناشد الدول الصديقة والمنظمات الدولية كي تسارع إلى دعمنا بالأدوية والمعدات الطبية والكمامات وبقية المستلزمات المتعلقة بمكافحة الكورونا، مع تخصيص ميزانية منفصلة لتلك المهمة من وزارة المالية، على أن تُدار بنهجٍ أفضل من الطريقة العشوائية التي أهدرت بها المعونات الضخمة التي استقبلتها بلادنا في بدايات الموجة الأولى للكورونا، وضاعت هدراً من دون أن يعرف أحد مصارفها
* الخطر يسير إلى ازدياد، وكثرة الموت تدل على أن الفايروس عاد أكثر شراسة وأوفر حصداً للأرواح، لذلك نتمنى أن تتدخل الدولة لمحاصرته بتشريعاتٍ ملزمةً، إذ لا فائدة تُرجى من التعويل على وعي الناس، في بلادٍ يستمر فيها السلام (بالمقالدة).. في عز زمن الجائحة القاتلة.
مزمل ابو القاسم نصحيفة اليوم التالي