رأي ومقالات

بركة ساكن: أصالة الكرم السوداني

في بداية العام 2005 كنتُ في رحلة من مدينة خشم القربة إلى العاصمة الخرطوم، برفقة أبنائي المهاتما والمستنير، في “بص” سفريات سياحي يُسمى روفيدا.
من الأشياء التي مازالت حاضرة في ذاكرة الوجدان؛ عندما عبرنا كبرى نهر الرهد (في الجزيرة- قرب الخياري) تعطل بنا البص في منتصف الطريق، بسبب حدوث إنفجار في إثنين من إطاراته. وأذكر أن البص كان ممتلئاً بالركاب الذين ربما يفوقون الأربعين شخصاً، من نساء وأطفال ورجال.
بقينا في تلك المنطقة التي تخلو من السكان، لا ماء ولا ظل ولا طعام.
بعد إنتظار قرابة الساعتين جاءنا رجل على ظهرِ حمارٍ، وخلفه طفل ربما في العاشرة من العمر، وقف أمامنا وكنَّا نجلس على الأرض في ظل البص وسألنا قائلاً:
– الحاصل شنو
أخبرناه بما حدث
قال : أرحكم البيت.
بالطبع لم نرْ بيتاُ ولا قرية قريبة، قال لنا، القرية ما بعيدة ولكنها تحت شوية.
فاعتذرنا له جميعاً بتقدير كبير، وقلنا له. بأننا نفضّل الإنتظار. ربما مسألة وقت لتصليح العطل، والبص سيعاود رحلته.
قال لنا بصوت جهور:
عليّ بالطّلاق تمشوا معاي كلكم، إلّا زولاً واحداً يقعد يحرس البص.
فاحترنا من أمرنا، ولكن الرجل كان في غايةِ الجد، وأكّدَ لنا في تصميم وثبات أنّه”سيحرم أمٍّاولاده عليه”.
فقلتُ للمسافرين دون تردّد:
– أنا واولادي ح نمشي معاه
ثم وافق بعدها الجميع على الذهاب مع الرجل إلى قرية لا نراها في مكانٍ ما، على حوض نهر الرهد.
بعد مسيرة ساعة واحدة كُنّا في بيت الرجل، الذي كان عبارة عن قُطيّة واحدة، وراكوبة كبيرة.
وبينما كانت زوجته ترحب بنا وباستضافتنا، إذا بأهل القرية الصغيرة جميعهم يحيطون بنا، وهم يحملون الماء، واللبن، وبعد أقل من ساعة كان الطعام، ثم الشواء.
فسألنا الرجل عن إسمه!
قال لنا: عليَّ بالطّلاقِ ما أقول ليكم ولا حتى إسم القرية!
كان موقفا مؤثراً جداُ ونبيلاً، لا تملك حياله غير الإمتنان والمحبة، وبقدر ما كُنّا سعداء، كُنّا أيضاً نحسُّ بأننا قد كلفنا سكان القرية الفقراء فوق طاقتهم، ولكن ياهو دا السودان.

بركة ساكن
ديسمبر 2020