أبو دليق وضرورة الصلح العاجل بين البطاحين والدليقاب
أبو دليق قرية كبيرة هي الآن مدينة ريفية تقع بشرق النيل بولاية الخرطوم ونشأتها الأولى ترجع للسلطنة الزرقاء وأول من أقام فيها بأسرته هو الشيخ علي أبودليق قبل قرون خلت وهو فقيه من حفظة القرآن الكريم وهو ابن خالة الشيخ فرح ود تكتوك حلال المشبوك المنتمي لقبيلة البطاحين . وأم الشيخ علي أبو دليق هي شامخات بنت الشيخ علي فتاى العلوم الذي سمي حفيده عليه و أم الشيخ فرح ود تكتوك هي رادنات بنت الشيخ علي فتاى العلوم و والدة الشقيقتين شامخات و رادنات هي حليمة بت قشقش كيوات وهذا يؤكد أن بين الدليقاب و البطاحين صلة رحم قديمة وبينهما مصاهرات واختلاط في الدماء والذين ينسبون للشيخ علي أبو دليق يعرفون بالدليقاب … و المنطقة شاسعة واسعة كانت لها امتدادات في ثلاث مديريات وحرية التنقل والترحال والاستقرار طلباً لكسب العيش كانت مكفولة للجميع واصبح في المنطقة منذ أمد بعيد وجود كثيف للبطاحين مع وجود قبائل أخرى … وقبيلة البطاحين تضم فروعاً عديدة كبيرة ولذلك يمكن أن يقال قبيلة البطاحين ويمكن أيضاً أن يقال قبائل البطاحين وهذه الفروع أو القبائل هي :- البتقاب – الهديباب –
العرشكاب– الديفلاب – الصاحباب – العسافاب – العوضاب – العلاماب – الفرجاب – العبادلة – الشبلة .. ومن رموز البطاحين الذين اشتهروا بالحكمة وسعة الصدر والأفق الشيخ محمد صديق طلحة ناظر عموم البطاحين وغيرهم من الذين يسكنون في المنطقة وأعدادهم كبيرة لا يستهان بها وهو خريج خلوة نظامية وكان برلمانياً معروفاً نال عضوية البرلمان في عدة عهود وفي العهد المايوى عين في إحدى الدورات نائباً رئيس مجلس الشعب وكان يجد ثقة ناخبيه من مختلف القبائل لأنه كان يتعامل معهم باحترام وتقدير وعلي سبيل المثال كان بينه وبين الدليقاب احترام وتقدير متبادل وكان يشركهم في عضوية محكمته وهم من أهل مشورته .
وهناك أمثلة عديدة لعلاقات فيها تعامل راقي بين عدد من رجالات الادارة الأهلية الذين ينتمون لقبائل مختلفة ويسكنون في منطقة واحدة ويمكن إيراد عدة أمثله واكتفى هنا بذكر مثال واحد هو أن الشيخ منعم منصور قبل حل الادارة الأهلية كان ناظراً لعموم قبائل دار حمر و من معهم من قبائل أخرى بالمنطقة وكانت له محكمته الكبرى بمدينة النهود وهو يرأس كل النظار و العمد والشيوخ وكانت بمدينة النهود عمودية لها محكمة وكان عمدة المدينة المنتمي لقبيلة الشايقية هو الشيخ ابورنات والد مولانا محمد أحمد ابورنات رئيس القضاء الأشهر الذي تقلد هذا الموقع بعد السودنة وحتي أواخر عام 1964 م بعد ثورة اكتوبر وكان بين الناظر منعم والعمدة ابورنات احترام متبادل كما هو مدون بالوثائق والمستندات وكانت علاقة الحمر والشايقية طيبة بمدينة النهود ومن شايقية النهود الشاعرين الشقيقين دكتور تاج السر الحسن والحسين الحسن .
وعندما تم حل الادارة الاهلية في بدايات عهد مايو قبل نصف قرن من الزمان كان مك الجموعية وناظر القبيلة بسلطاته القضائية والادارية هو مولانا الطيب محمد ناصر وكان قبل أن يخلف والده في المكوكية يعمل قاضياً وهو خريج كليه الحقوق بجامعة الخرطوم .وبعد حل الادارة الاهلية أقام الجموعية مهرجاناً بحوش الخليفة بأم درمان نقلت الاذاعة ما دار فيه بثاً مباشر وحضره اللواء جعفر محمد نميري رئيس مجلس الثورة والسيد خلف الله بابكر وزير الحكومات المحلية وتحدث المك الطيب وذكر انهم لا يعترضون علي حل الادارة الاهلية وإلغاء وظائفهم وإنهاء سلطاتهم القضائية والادارية طالما أن القرار صدر ونفذ ولكنهم يطالبون بالإبقاء علي لقب المك كرمز للقبيلة ووحدتها ووافق الرئيس نميري علي الإبقاء علي المكوكية بالمواصفات المذكورة وظل الموقع قائماً وتعاقب عليه ثلاثة مكوك منذ ذلك الوقت . وظهر لاحقاً في مناطق عديدة مثل هذا الموقع بمسميات عديده (مك ،ناظر ، أمير.. الخ) بلا سلطات قضائية او ادارية وبلا موقع حكومي رسمي ولكنه يتم في الاطارالمجتمعي كرمز للقبيلة بتفاهماتها ومنلوجها الداخلي وتواصلها الاجتماعي وما يصحبه من تعاون وتآزر وتكافل . وفي هذا الاطارأعلن عن قيام نظارة الدليقاب و رئاستها بابي دليق وهي بالطبع ليست وظيفة رسمية في الدولة وليست لها سلطات قضائية و ادارية وهي كالنظارات سالفة الذكر تخص من ينتمون اليها في القبيلة وصحب قيام هذه النظارة إعلام كثيف وأعلن أن احتفال التدشين سيكون ضخماً واشيع أن مسؤولاً كبيراً في الدولة سيكون هو ضيف الشرف في هذا الاحتفال ونفي مكتب المسؤول الكبير صلته بهذا الموضوع …. ولا ندري
الملابسات التي حدثت بخصوص حفل التدشين وما تبعها من ردود فعل مضادة ولعل الأجهزة الامنية المختصة أدركت أن هذا الوضع قد يؤدي لمواجهات لا تحمد عقباها ولذلك أعلنت حالة الطوارئ في ابي دليق ونشرت التفاصيل علي الملأ وحسناً فعل السيد أيمن خالد والي الخرطوم باصداره لهذا القرار لدرء الفتنة وتحوطاً من حدوث مواجهات دموية وقراره صائب ولكنه لا يكفي إذ أن فترة الحبس في المنازل قد تشتد فيها الاحتقانات في النفوس وبعد انتهاء حاله الطوارئ إذا التقي لا قدر الله اثنان احمقان متهوران من عامة المواطنين من هذا الطرف او ذاك وتبادلا كلمات غاضبة طائشة صحبها اشتباك بالايدي أدي لإستعمال السلاح الابيض ومقتل احدهما لا قدر الله فان هذا سيؤدي لفتنة كبيرة وهياج وجراحات غائرة في النفوس وثارات واقتتال والنار من مستصغر الشرر والموقف يقتضي أن يجتمع كل العقلاء والحكماء والشيوخ الاجلاء في منطقة شرق النيل علي جناح السرعة لعقد صلح بين الطرفيين مع ضرورة ان تولي السلطة الاتحادية وعلي رأسها مجلس السيادة ومجلس الوزراء هذا الموضوع العاجل الحساس اقصي درجات اهتمامها وتعمل علي نزع فتيل الفتنة و جمع الطرفين في وجود الرموز المشار اليها وعقد صلح بين الطرفيين الذين ليس بينهما نزاع حول مال او ارض وليست بينهما سلطات قضائية او ادارية يشتجران حولها وفي النهاية يمكن اقامة حفل كبير بعد أن تصفو النفوس ونرجو أن يكون ما جرى مؤخراً هو مجرد سحابة صيف عابرة لن تعود مرة أخرى .
صديق البادي – صحيفة الانتباهة