اقتصاد قارئة الفنجان!
(1)
ملابسات بالغة الغرابة رافقت سلسلة الإجراءات الحكومية غير المسبوقة التي أعلنت الأسبوع الماضي برفع أسعار المحروقات للمرة السادسة خلال السنوات العشر الماضية، وأول أوجه الغرابة أنها بدت “بكماء”، إجراءات قاسية بلا أفق ودون أن تصحبها سياسات اقتصادية تحمل أفقاً جديداً من أي نوع، أو أن تأتي في إطار تحولات سياسية ذات بال معلومة الوجهة تبرر هذه القفزة الكبيرة في الظلام، وما يؤكد ما ذهبت إليه آنفاً أن دوائر عديدة في الطبقة الحاكمة لا تكاد تثبت أنها نفسها مقتنعة بما أقدمت عليه سوى ما أملته دواعي “مغامرة انتحارية” قد تصيب وقد تخيب، لأنه لم يكن أمامها من سبيل، في ظل تمسّكها بالمعادلة الراهنة، غير المضي قدماً في هذه المغامرة عسى لعل.
(2)
تزعم السلطة أن مثل هذه الإجراءات هي سبيل الإصلاح الاقتصادي الوحيد، مع كل الفوضى التي تحدثها بسلسلة إجراءات لا هدف لها سوى جباية المزيد من الأموال لخزينة الحكومة الشرهة، دون أدنى اعتبار لأوضاع أغلبية المواطنين الذي يعانون الفقر والمسغبة. ولعل أخطر ما توحي هذه العجلة التي دهمت بها السلطات الحكومية مواطنيها بإدعاء معالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد، ولدرجة انها لم تطق صبراً لبضعة أسابيع لإدراجها في الموازنة الجديدة الوشيكة، وبهذه السلسلة من الإجراءات الكبيرة والقاسية حقاً، توحي أن خزينة الحكومة تقف على حافة الإفلاس، إن لم تكن وقعت فيه بالفعل، لدرجة اضطرتها اضطراراً للدخول مرغمة في هذه المغامرة غير محسوبة العواقب، لأن أوضاعها ببساطة لا تحتمل ترف الانتظار ولو لأسابيع تُعد على أصابع اليد الواحدة على إجازة الموازنة الجديدة.
(3)
والدلالة الأخرى لهذه الإجراءات العجلى أنها دلالة يأس، في غياب أية مؤشرات على حدوث تحولات إيجابية مهمة في الأداء الاقتصادي الداخلي تساعد في ردم فجوة الموارد الكبرى التي تعاني منها الحكومة، من أن تكسب شيئاً من الرهان على معطيات التحولات الجذرية في السياسة الخارجية والتحالفات الجديدة الأقليمية التي سلكتها الحكومة خلال العامين السابقين، وأن ذلك لم يأت بما كان متوقعاً من مصالح اقتصادية ذات جدوى كان تعوّل عليها بما يساعد فعلاً في مواجهة تبعات الأوضاع الاقتصادية الداخلية المنذرة، فلا مساعدات ذات شأن حصلت عليها، ولا تدفقت استثمارات خارجية مباشرة على البلاد، ولذلك يبدو أن الحكومة لم تجد سبيلاً سوى أن تمد يدها إلى جيوب مواطنيها المكدودة أصلاً لتمويل منصرفات إدارة دولاب السلطة الضخم.
(4)
سيُصاب المرء بالدهشة حين يكتشف أن وزراء المالية المتعاقبين ظلوا على مدار الخمس وعشرين سنة اللاحقة يرددون المقولات نفسها ويتخذون الإجراءات ذاتها، والنتيجة دائماً واحدة المزيد من التدهور الاقتصادي، والمزيد من رفع المعاناة على كاهل المواطنين بمثل هذه الإجراءات، أليس غريباً أن تتكرر البرامج والسياسات المعلنة ذاتها ثم تكون النتيجة واحدة هي تحميل المواطنين المزيد من الاعباء ودفع ثمن فشل الإدارة الحكومية، ومع ذلك فلم تفلح في أي من هذه المرات في إيقاف المزيد من التدهور الاقتصادي.
(5)
لا يبدو أن اقتصادنا يُدار بأي مما علم الناس من مذاهب اقتصادية عقلانية ، ويبدو أن فريق الحكومة الاقتصادي يستمد سياساته من مذهب نزار قباني في قصيدته الشهيرة، فالتأمل في حال اقتصادنا المقلوب، والمغلوب على أمره، تشبه رحلة الشاعر حين انتهى به الحال على وقع نبوءة قارئة الفنجان : وستعرف بعد رحيل العمر …. بأنك كنت تطارد خيط دخان.
عفواً عزيزي القارئ، ما قرأته أعلاه مقتطفات من مقال للكاتب نُشر في مثل هذا اليوم من العام 2016، عقب إجراءات مماثلة للنظام السابق برفع اسعار المحروقات بعنوان”وصفة فاشلة بامتياز بعد 6 تجارب في السنوات العشر الأخيرة”، والنتيجة ما ترون، للاسف الشديد، تتغير الحكومات، ولا تتغير الوصفات الفاشلة، ومع ذلك هناك من ينتظر حدوث معجزة ما.
خالد التيجاني النور – صحيفة السوداني
حكامنا لالايقرءون…اتحداهم لو واحد فيهم قرأ كتاب الامير لميكافيللي أو قرأ عقيدة الصدمة لملتون فردمان او الحرب الصفرية ل برنارد لويس اوبروتوكلات حكماء صهيون. لذلك فهم يجهلون السياسة ويجيدون الخياسة