أحمد يوسف التاي يكتب: الحلو .. اعرض عن هذا
(1)
قبل هذا اليوم وفي هذه الزاوية كتبتُ ما نصه: (لئن يحكمني (علماني) بالعدل والقسطاس المستقيم وتطبيق القانون بلا انتقائية أو أجندات سياسية أو تصفيات حسابية، أحبُّ إلي من أن يحكمني سياسي (دجال) يستخدم الدين لتحقيق أجنداته السياسية، فيستغفلني باسم الرب والفضيلة، ينافق ويداهن ويماري ويتنفس كذباً.. ذلك لأن تحقيق العدالة بين الجميع هو غاية الحكم الرشيد والعدل بين الناس (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، وتطبيق القوانين على الجميع بلا استثناء ينسجم مع قيم الدين والأخلاق وكريم الأعراف، وهذا ما لن يتحقق في ظل الدجل والنفاق السياسي، فالمهم عندي غايات الحكم العادل الرشيد الذي يرضي الله، فدولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة.
(2)
اليوم يأتي الحديث عن العلمانية وإبعاد الدين عن حياة الناس السياسية بشكل فيه كثير من السفور والابتسار والمجاهرة بالسوء، واستفزاز الأغلبية المسلمة وتحدي العادات والتقاليد والأعراف، وهل الدين إلا تقاليد وأعراف وسلوك وأخلاق وفضائل وقيم سمحة، ومتى انفصل الدين عن القيم والفضائل والأعراف التي تضبط المجتمع وتحكمة بما هو أقوى وأمضى من القوانين؟!!
القوانين التي لا تحمي الأعراف والقيم والأخلاق، إنما هي قوانين شريعة الغاب ولا تليق بالأمم المتحضرة ولا تمت للإنسانية بصلة.. والقوانين التي تتناقض مع تقاليد المجتمع الراسخة إنما هي مسحة من التفسخ والانحلال المفضوح..
(3)
حياتنا الدنيا كلها بمعاملاتها التجارية وأنشطتها الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية كلها جسر للعبور نحو الحياة الأبدية، وهذه الأخيرة هي الدين، إذ لا مجال لفصل حياتنا الاجتماعية والسياسية ومعاملاتنا الاقتصادية عن الدين، فكلها مرتبطة بحياتنا الأبدية، وحياتنا العامة (سياسية، اجتماعية، واقتصادية) كلها وسيلة للغاية الكبرى، فكيف الوصول إذا أبعدنا الوسيلة؟!!
صحيح قد اتفق مع شخص يعترض على استغلال الدين لتحقيق أجندة سياسية، لكن ليس بالضرورة أن تكون وسيلة هذا الاعتراض هي إبعاد الدين عن حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فإبعاد الدين لن يمنع استغلال النفوذ ولا فساد الحكام، ولا الظلم ولا التهريب ولا التجنيب، ولن يمنع هشاشة الحياة السياسية والفوضى وضياع هيبة الدولة والسيولة الأمنية، ولن يجلب كفاءة الحكم والرشد السياسي .
(4)
ثم يبقى القول أنه من المؤسف حقاً أن يتبارى الحكام للتفاوض مع الحلو حول فصل الدين عن الحياة السياسية، ومن هو هذا الحلو الذي يشترط على أكثر من 90% من السودانيين إبعاد الدين وإقصاءه من حياتهم العامة؟ وكيف له أن يفرض علينا ما يريده هو رغماً عن كل الأنوف الشماء، فالدين عندنا هو القيم والأخلاق والفضيلة والأعراف الكريمة، وهذه نحتاجها في معاملاتنا السياسية مثلما نحتاجها في معاملاتنا الاقتصادية والاجتماعية فهذه حياة، وإبعاد الدين عنها يعني إبعاده عن حياتنا كلها.. هذه القرارات الكبيرة لن يفرضها الحلو وحده مهما أوتي من قوة، فمكانها المؤتمرات القومية الدستورية وإجماع الأمة السودانية، فالشعب السوداني كله بقواه الاجتماعية والسياسية ومجتمعه المدني هو من يقرر ذلك وليس الحلو… اللهم هذا قسمي في ما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
أحمد يوسف التاي – صحيفة الانتباهة