تحقيقات وتقارير

انعدام الدواء بالسودان .. (أزمة) بلا (علاج) !!

محمد طبيب صيدلاني بإحدى صيدليات الخرطوم يعاني من ذبحة في الصدر يقول محمد لـ (السُّوداني) أنه مع إرهاق العمل وجلوسه لساعات طوال بمقر عمله شعر بـ (كتمة في النفس) مع ألم في الصدر وخدر في الأرجل الأمر الذي جعله يستدرك بأن الذبحة الصدرية زارته لا محالة، ما جعله يستنجد بأحد زملائه والبحث عن حبوب الذبحة (isorem) بالصيدليات المجاورة لوضعها تحت لسانه لتفادي الأمر لكن زميله لم يتحصّل عليها وباءت كل محاولاته بالفشل حيث تعذر وجودها بكل الصيدليات المجاورة وطوارئ المستشفى الذي يجاوره..
وبالتأكيد فإن قصة دكتور محمد لا تمثّل سوى قطرة في بحر متلاطم الأمواج لأزمة الدواء المستفحلة مع مرور كل يوم جديد..
(السُّوداني) استنطقت جهات الاختصاص وخرجت بالحصيلة التالية.

عملية انتحارية:
الصيدلاني “محمد” أكد أن كل زملائه (تأثروا) لإصابته وسألوا له عن دواء (الذبحة) لكنهم لم يجدوه حتى بسؤالهم عنه في (قروبات) الصيادلة التي ترشد الباحثين لم تتوفر لديهم مؤكدين له أن هذه الحبوب (قاطعة) منذ عام ولم تتوفر بسبب توقف الاستيراد بفعل الدولار، ونوه إلى أن أحد زملائه وبخبرته في مجال الطب دعاه إلى تناول (6) حبات من الاسبرين الذي يعمل على توسعة الشرايين برغم خطورة تناولها، واصفاً تناوله لها بالعملية الانتحارية لما لها من آثار خطيرة، محمد يكشف عن أن سعر أقراص حبوب الذبحة هو (20) جنيهاً لعدد (10) بحيث يتم استخدامها عند اللزوم وتتواجد بطوارئ المستشفيات لكنها لم تتواجد بالبلاد منذ عام، وأكد أن متوسط حالات الذبحة الصدرية في أي مستشفى يتراوح ما بين (10 – 15) حالة يومياً، محمد نموذج لطبيب في وسط العاصمة وعلى دراية بصحته وبواطن أمور مهنته عجز عن إيجاد دواء ينقذ حياته فما بالنا بالكادحين في بقية المدن وأريافها.

إحصائية بالأرقام :
عضو لجنة صيادلة السودان المركزية د. أنس صديق يقول لـ (السُّوداني) إن ندرة الدواء بالبلاد أدت إلى بروز الظواهر السالبة كعرض الأدوية في وسائل التواصل الاجتماعي من (فيس بوك وواتساب) وأكد صديق أن مُجمّل الإستيراد السنوي خلال الـ (10) أشهر الماضية يعادل (3%) فقط بسبب عدم توفُّر الدولار، ونوه إلى أن قيمة الأدوية المستوردة حتى الآن أقلّ من (20) مليون دولار فقط من جملة (650) مليون دولار حجم الاستيراد لكل عام، وكشف عن توقُف عدد من شركات الاستيراد الكُبرى وتسريح موظفيها بعدما تعذر وجود دولار الاستيراد قُرابة العام ، مُشيراً لتراجع البيع بالصيدليات إلى (10%) ما أسفر عن إغلاق بعض الصيدليات وتغيير نشاطها إلى بقالات لبيع السلع الاستهلاكية بدلاً عن الدواء ، وكشف عن عدم إيفاء وزارة المالية بالتزامها تجاه مستحقات المحفظة وتوقف عملية استيراد الأدوية، لافتاً إلى ندرة حادة في الدواء وانعدام لأدوية الملاريا، وأدوية الأمراض المُزمنة، والمضادات الحيوية بأنواعها، مؤكداً توقف الأدوية المُهرّبة التي تصل البلاد عن طريق تجار الشنطة نسبة لزيادة تكاليف السفر وتشديد الرقابة بين البلدان، وطالب صديق الدولة بالتدخل العاجل لإنقاذ قطاع الدواء الذي أوشك على الانهيار، مناشداً وزارة المالية بالإيفاء بالتزامها تجاه المحفظة لاستئناف عملية الاستيراد، كاشفاً عن أن تأخير يوم واحد يُؤثِّر سلباً على عملية الاستيراد لأنّ الطلبية تمر بعدة مراحل قبل وصولها البلاد كـ الفحص والتحاليل من المجلس القومي للأدوية والسموم، والمواصفات والمقاييس وغيرها والتي تصل إلى (3) أشهر.

(2) مليون دولار يومياً:
الناطق الرسمي باسم غُرفة مستوردي الأدوية يوسف شَكَّاك أكد لـ (السُّوداني) أن شركات الأدوية الخارجية أوقفت حصص الأدوية للصندوق القومي للإمدادات الطبية، وأوضح شَكَّاك أن الشركات رهنت استئناف التعامل معه بسداد الديون التي تزيد عن (100) مليون دولار، ونوه إلى أن سوق الدواء العالمي تحكمه الثقة بين شركات الأدوية والدولة في التزامها بالسداد، وكشف عن انعدام الثقة بينهم ولَّد الأزمة الحالية التي يعاني منها المواطن، وأكد شَكَّاك أن حاجة البلاد من الاستهلاك اليومي للدواء في الوضع الصحي الطبيعي من غير ظهور الأوبئة تتراوح ما بين مليون وخمسمائة دولار إلى (2) مليون دولار، مبيناً أن نسبة وفرة الدواء بالبلاد أقلّ من (5٪)، ولفت إلى دفع شركات الأدوية المستوردة مبلغ (30) مليون دولار للمالية بسعر بنك السودان (55) جنيها لكن المالية لم تَسلِّم الشركات الدولار حتى الآن برغم حاجة البلاد الماسة للأدوية.

أدوية مفقودة:
رئيس اللجنة التسييرية لأصحاب الصيدليات بولاية الخرطوم وصاحب صيدلية محمد جمال يؤكد لـ (السُّوداني) انعدام (85٪) من جملة الأدوية بالبلاد، وأضاف جمال أن الـ (15٪) المتبقية هي من التصنيع المحلي، ونوه إلى توقف استيراد الأدوية قبل (10) أشهر وأن غالبية الأدوية المتوفرة الآن وصلت إلى ارفف الصيدليات عن طريق التهريب من دولتي الهند ومصر عبر( تجار الشنطة) لا عن طريق وكلاء الشركات، وأكد انعدام تام لأدوية الأمراض النفسية بسبب إغلاق شركتي استيرادها وتسريح موظفيها بسبب عدم توفر دولار الاستيراد إضافة لانعدام أدوية السرطانات، والذبحات، والضغط، والمضادات الحيوية وحقن السيولة، الدربات المنقذة للحياة، وحقن الحساسيات، وحبوب الجلطات، وأدوية الشلل الرِعاشي، وحبوب النزيف التي تحتاجها النساء أثناء الولادة .

(حجر عثرة):
وأكد جمال أن الدولار المدعوم يمثل (حجر عثرة) للمُستوردين بعد أن صعب على الحكومة توفيره، وطالب الحكومة بالعمل بواحد من الخيارين إما أن تُوفِّر الدولار المدعوم لإنقاذ المواطنين قبل انقطاع الدواء، أو توسعة مظلة التأمين الصحي لتشمل جميع المواطنين بالبلاد بعدها تحرِّر سعر دولار الدواء وترك الحبل على غارب الشركات في الاستيراد وبيعه دون تَدخُّل مجلس الأدوية والسموم في تسعيرته، وناشد السلطات بتفعيل الدور الرقابي للقطاع، مُشيراً إلى أن عدد من أصحاب الشركات يقومون ببيعه للتجار قبل وصوله للصيدليات مما ينعكس على الاحتكار وزيادة الأسعار، مشيراً إلى مضاعفة أسعار الدواء ووصولها أرقاماً خُرافية للأدوية المستوردة ، منوهاً إلى زيادة أسعار الدواء للصناعات المحلية هذا الأسبوع بنسبة (140٪) مما ينذر بكارثة حلت على المواطن المغلوب.

دور رقابي :
الأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم مناهل عبد الحليم كشفت لـ (السُّوداني) أن دور المجلس يتمثل في تسجيل الأدوية ورقابة التصنيع والاستيراد، وأكدت أن المجلس قدّم لوزارة المالية ومجلس الوزراء تقريرا مفصّلا حدَّد حاجة البلاد للأدوية وتحديد الآلية للمحفظة وعدم ممانعتهم في تمويله، مُشيرة إلى أن المجلس رفع حاجة البلاد للأدوية لكنها لم تتم معالجات حتى الآن خاصةً فيما يتعلّق بـ الـ (30) مليون دولار التي تنظرها شركات الاستيراد لتصديقها من وزارة المالية.

تحقيق: اليسع أحمد
صحيفة السوداني