النائب العام !
ذكرتُ عرضا في مقالي أمس عن العنف المفرط الذى مارسته الشرطة في المظاهرات الأخيرة مما أدى لمقتل الشهيد (محمد عبد المجيد) وإصابة الكثيرين بالرصاص الحى، وتصريحات والى الخرطوم (أيمن خالد) عن تحمله للمسؤولية وتبريره للسلوك الوحشي للشرطة بغياب وكلاء النيابة من مرافقة الشرطة خلال التظاهرات باعتبارهم الجهة المخولة قانونا بإعطاء الإذن بإطلاق الرصاص، ودعوته للنيابة العامة لفتح تحقيق عاجل في الموضوع، وجود صراع منذ وقت طويل بين نادى النيابة والنائب العام وتصاعده بشكل كبير في الآونة الأخيرة بالاتهامات الخطيرة التي وجهها اعضاء النادي للنائب العام بالتواطؤ مع بعض المتهمين من النظام البائد في قضايا الفساد مطالبين بإقالته، فى مذكرة رفعوها لمجلس السيادة قبل بضعة ايام!
* بدأ الصراع قبل بضعة أشهر باحتجاج العاملين في النيابة وأعضاء النادي على مشاركة بعض الاشخاص من خارج النيابة العامة في لجان التحقيق، باعتباره تدخلا في اعمال النيابة، ثم جاء تعيين أحد المحامين وهو الأستاذ (مأمون فاروق) في منصب المساعد الأول للنائب العام واعتراض العاملين عليه لميوله السياسية الواضحة وتهديدهم بالإضراب عن العمل ليؤجج الصراع الى اعلى درجة ويقطع حبل الود بشكل نهائي بينهم وبين النائب العام، خاصة مع الفصل الذى تعرض له أحد أعضاء النادي وهو الأستاذ (احمد سليمان) لوقوفه مع النائب العام!
* ثم جاء قانون النيابة العامة الذى أجازه مجلس الوزراء في أغسطس الماضي ليصب الزيت في النار ويلهب الصراع بشكل حاد، حيث عده العاملون وأعضاء النادي تدخلا سافرا في اعمال النيابة العامة والانتقاص من مهنيتها واستقلالها، لإقراره بتعيين مساعدين للنائب العام من خارج النيابة العامة بدلا من تعيينهم من بين رؤساء النيابة العامة، بالإضافة إلى استبعاد المساعدين ورئيس النيابة (كمقرر للمجلس) من عضوية المجلس الأعلى للنيابة العامة، مما يلغى دور العاملين في النيابة في رسم السياسة العامة للنيابة والترقي والنقل والانتداب والإعارة لأعضاء النيابة والتي هي من صميم سلطات واختصاصات المجلس الاعلى للنيابة، وهو بالطبع أمر غريب فكيف يقرر أشخاص من خارج النيابة بالكامل في كل شؤون النيابة بدون وجود أي شخص من داخل النيابة ما عدا النائب العام في المجلس الأعلى للنيابة؟!
* كما منح القانون الجديد النائب العام سلطة ممارسة اختصاصات وسلطات المجلس الاعلى لحين تشكيله دون تحديد مدة معينة لتشكيله، الأمر الذى عده أعضاء النادي تركيزاً لسلطات المجلس في يد النائب العام، وخلق دكتاتورية مطلقة داخل جهاز قضائي حساس يفترض فيه تعاون الجميع للقيام بالمهام المطلوبة منه !
* وأجاز القانون لمجلس السيادة، بناء على توصية من المجلس الأعلى او النائب العام في حالة غياب المجلس، فصل اي عضو نيابة او إحالته الى المعاش متى ما رأى ان اعادة هيكلة النيابة او اعادة بناء نيابة مستقلة، او اقتضت ذلك الترتيبات الادارية او الدستورية، ونص على أن أي قرار يصدر بناءً على ذلك نهائي ولا يجوز الطعن فيه أمام أية محكمة أو جهة قضائية، الأمر الذى يضع في يد النائب العام سيفا بتارا لتقطيع الخصوم وفصلهم من النيابة، بينما نص القانون القديم على عدم عزل أي عضو نيابة إلا بمجلس محاسبة، وهو بالطبع أكثر عدالة وموضوعية!
* في مؤتمر صحفي عقده أعضاء نادى النيابة في اغسطس الماضي، أعلنوا رفضهم المطلق للقانون، ومناهضته بكافة الوسائل والسبل القانونية للمحافظة علي استقلالية النيابة ومهنيتها وحمايتها من تدخل الغير، وكان الاعلان بمثابة اعلان حرب على النائب العام الذى اتهمه أعضاء النادي بالوقوف خلف القانون بغرض تشديد قبضته واحكام سيطرته على النيابة العامة خاصة مع غياب المجلس الاعلى للنيابة الذى ينص القانون على أن يحل محله النائب العام في حالة غيابه!
* أخيرا، تبنى النادي في مذكرته المرفوعة لمجلس السيادة، التهم الخطيرة التي وجهها تضامن قوى المجتمع المدني في مذكرة سابقة رفعها لمجلس السيادة ولجنة إزالة التمكين في يوليو الماضي، بالتواطؤ مع بعض المتهمين في قضايا الفساد وإعاقة التحقيق معهم، من بينهم والى الخرطوم السابق (عبد الرحمن الخضر)، والمستثمر التركي (اوكتاى)، وطارق سر الختم (شركة سين للغلال)، ومواطن مصري الجنسية حصل على مبلغ 8 مليون دولار من حكومة السودان بما يخالف القانون، وكان النائب العام الحالي ــ حسب المذكرة ــ أحد محاميه ، بالإضافة الى تهم أخرى لو صحت فإنها تكون كارثة في حق محامى كبير تم اختياره من قوى الثورة للاقتصاص من جرائم النظام البائد!
*من المؤسف أن يستعر الصراع داخل أحد أهم مؤسسات الفترة الانتقالية، وهى أكبر مؤسسة قضائية عدلية في البلاد من المفترض أن تتحمل العبء الأكبر في تعرية وفضح جرائم النظام البائد وتقديم المتهمين للعدالة واستعادة حقوق الشعب، ولكن بدلا عن ذلك تتقاسمها الصراعات المهنية الحادة وتهدد قيامها بالمهمة المقدسة الموكلة إليها .. وهو ما يجعل الشخص في غاية الاحباط والشك في إمكانية الاصلاح وتحقيق الثورة للغايات التي نشبت من أجلها !
الجريدة
زهير السراج