الرابح والخاسر
شهد السودان قبل فترة، حالة من الاحتقان بعدد من ولايات السودان عقب تعيين الولاة المدنيين، وفي تقديري أنها كانت أمراً متوقعاً جدا ولا غرابة فيه خاصة من أصحاب المصلحة المتدثرين بثياب الوطنية، ولكنها سرعان ما هدأت جميع الولايات عدا ولاية كسلا الجريحة، ولا زال الاعلام الحكومي بعيداً.
ضجة تعيين والي كسلا صالح عمار كانت تستوجب عمل إعلامي كبير موازي منعاً لأي احتجاجات متوقعة حينها خاصة وأن صالح يمثل تيار قبلي لا يجد القبول لدى بقية القبائل الأخرى، بجانب التدخلات الاستخباراتية لدور المحاور والتي نشطت جدا عبر حلفائها في الداخل حتى اليوم لتخلف كسلا عشرات القتلى ومئات الجرحى.
توقعنا أن يسبق قرار التعيين جرعات اعلامية تعبوية تبشر بأهمية الخطوة وفوائدها وأسبابها، مع طرح برنامج الوالي لأن ذلك من شأنه خفض حدة الإحتجاجات وربما كان من الممكن ان يكون سبباً في عدم تجاوب المواطنين مع أصحاب المصلحة من الذين اوقدوا شرارتها اليوم. وذلك لم يحدث.
علينا الإعتراف، إعلامنا الحكومي ضعيف للغاية ويبدو أنه يعمل بلا خطط واضحة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة ما لم يتم تدارك الأمر، فالثورة مستمرة واستكمال هياكل السلطة مستمر ولن يتوقف، ومعروف أن ذلك الانتقال يمر بمنعطفات ومطبات خطيرة جداً يمكن أن تؤدي إلى تهتك في النسيج الإجتماعي، والإنفلات الأمني والفوضى بشكل عام، وفرض هيبة الدولة لا تأت بالقوة الجبرية كما يتوهم البعض، بل بالقانون المدعوم بالتوعية بحجم التحديات الجسام التي تواجه الجميع بلا إستثناء (مواطن وحكومة). وما أزمات الوقود والخبز والدواء إلا خير دليل على التحدي الذي يواجه الحكومة الانتقالية حتى بعد توقيع إتفاقية السلام.
المطلوب وبشدة، إستشعار الجميع للدور الذي ينتظرهم للنهوض بالبلد وإبعاد شبح الفوضى التي يسعى لها البعض من الداخل والخارج. وفي ظل الضغوط التي يعيشها الكثير جدا من المواطنين هذه الأيام، فكل ماهو سيئ متوقع، ومع توقع خروج المواطنين في موكب 21 اكتوبر الداعي لإسقاط الحكومة، ستكون الفرصة مواتية جداً لأصحاب الأجندة الخبيثة لإحداث الفوضى بشكل أكبر وأعمق من ذي قبل ومحفز لإيقاظ الخلايا النائمة لتعبث في ثورة الشعب بحثاً عن مجد زائل وآمال عراض في العودة مرة أخرى لذا فالواقع يتطلب النظر إليه بعين مختلفة هذه المرة، وعلى السيد وزير الإعلام أن يعي تماماً أن الأيام القادمة هي الأخطر في تاريخ الثورة بعد أن شيطنت جهات معلومة الحكومة وحاضنتها السياسية وصورتها في أبشع صورة.
نعم الأخطاء كثيرة جداً ولكن الأخطر منها الانسياق وراء الدعوات المفخخة لإسقاط الحكومة، المطلوب المعالجات الجادة والحذرة في جميع الملفات وخاصة فيما يخص ملف الشرق، وقفل القنوات المؤدية لتجسير العلاقة بين الشارع وبقايا النظام السابق فيما يخص هذا الملف تحديداً.
رسالة أخيرة للسيد الوزير ووكيل الوزارة ومدير الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، (لا داعي لظهور كوادر المؤتمر الوطني بأجهزة الإعلام الرسمية لينهشوا في جسد الثورة والثوار معاً، فعدد غير قليل من المواطنين بسطاء غير مدركين حقيقة ما يجري من صراع أفيال بين الحكومة وسدنة النظام المباد).
إعلام الثورة مطلوب منه الوعي التام بمهامه، والنشطاء مطلوب منهم توسعة المدارك قليلاً وعدم اللهث وراء إرضاء نزعات حزبية او ذاتية طائشة، وتسخير صفحاتهم وحساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي لدعم الفترة الانتقالية وتصحيح مسار ثورتها بتقديم النصح والنقد، بدلاً عن التفرغ التام للتشفي وضرب الشركاء بقصد إضعافهم لأن المستفيد هو العدو والخاسر هو الوطن.
الجريدة
هنادي الصديق