«حلايب».. تصعيد غير مفاجيء!
أصبحت قضية «حلايب» واقعاً ملتهباً في خارطة العلاقات بين السودان ومصر، كلما نشبت أزمة علت الأصوات في كل من القاهرة والخرطوم، الأولى تقول بمصرية «حلايب» والثانية تؤكد على سودانيتها، وأهل «حلايب» في وادٍ غير أودية الساسة الذين يتاجرون بالقضايا الوطنية الكبرى.
أنا شخصياً اعتقد وأؤمن بأن «حلايب» سودانية، ليس من واقع الخرائط القديمة المعتمدة، والتي اعترف بها العالم الاستعماري (القديم) فحسب، بل لروابط حقيقية تجمع بين سكان كل المنطقة – مثلث حلايب – وبقية مناطق البحر الأحمر.
بعض المصريين يعتقدون ويؤمنون أنها مصرية، مستندين على سيادة قديمة على المنطقة إبان الحكم الثنائي تجعلهم في ذات الوقت لا يعترفون بتلك الخرائط ولا ذلك التداخل الاجتماعي، ولا يستطيع أحد أن يمنع آخر من تبني معتقد معين، كما لا يستطيع أن يمنعه من أن يؤمن بما يريد.
«حلايب» الآن مثل حالة التهابية يهيّجها تغيّر الجو، ويسبق تلك الحالة تعكير للمزاج العام في أيٍ من البلدين الشقيقين، حيث يظهر جلياً أن الإعلان المصري الرسمي عن أن حلايب أرض مصرية خالصة، لم يجيء إلا كردة فعل من الموقف السوداني غير المناصر لمصر – من وجهة نظر مصرية – في قضية سدّ النهضة الأثيوبي، بينما ترى الحكومة السودانية أن مصر الرسمية تسرعت في إعلانها ذاك الذي لم يكن إلا ردة فعل لا تتناسب مع الفعل، ولا تعاكسه في الاتجاه، كما تقول نظرية نيوتن: لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه. إذ أنه في (عالم) السياسة خلاف في بعض الأحيان مع (علم) الطبيعة، بحيث تكون ردة الفعل أعنف من الفعل نفسه، وتطال كل الاتجاهات، وهي في كل الأحيان ليست ردة فعل حميدة، إذ أن أخف أضرارها سيكون توتراً في العلاقات بين شطري وادي النيل.
لم يستفد الساسة في السودان أو مصر من جعل التنمية في حلايب أو حولها، مدخلاً لقوة اقتصادية ومالية وتجارية، إضافة لموارد الطاقة الممكنة لتكون دعامة من دعامات المكانة والنفوذ المشترك في القارة والمنطقة والعالم، إذا ما سعت كل دولة إلى تقوية شقيقتها بالعمل المشترك الذي يضمن نهضة الدولتين اللتين تجمع بينهما اللغة والدين والعنصر والثقافة المشتركة، رغم أن دولاً مثل دول الاتحاد الأروبي لا يجمع بينها ما يجمع بين السودان ومصر، ومع ذلك أسست لأقوى اتحاد سياسي واقتصادي جعل دول الاتحاد الأروبي في المرتبة الرابعة بعد الولايات المتحدة وروسيا والصين من حيث المكانة الاقتصادية، ومن حيث حجم الإنفاق على التعليم والبحث العلمي.
لن أنسى مطلقاً أنني في سبتمبر الماضي، كنت وعدد من الزملاء في مهمة عمل نشارك من خلالها في أعمال اجتماعات مجلس حقوق الإنسان في جنيف بسويسرا، ومع ذلك كنا نقيم في مدينة فرنسية صغيرة على الحدود المشتركة اسمهما «فيرنية فولتير» ونتنقل بكل حرية بين بوابات لا يحرسها إلا المصالح.
«حلايب» في الخرطوم سودانية.. وفي القاهرة مصرية، ومع ذلك فإن أي تصعيد في اللهجة، وأي توترات حول نسبتها لأي من السودان أو مصر، هو أمر غير مفاجيء، لأنه ليس أكثر من ردة لفعل، لم يفعله أو يقم به السودان – مثلما في حالة سد النهضة – ومع ذلك فإن ردة الفعل المصرية لا تتوجه إلا إلى السودان.. نحن في حاجة لحوار جاد حول قضية حلايب بين البلدين، ودون تدخلات لأي أطراف أخرى.
جمعة مباركة
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]