العربات السايبة تعلم السرقة
المثل الشعبي الشهير يقول (المال السايب يعلم السرقة)، والمثل يعني أن المال الذي لا يوضع في حرز أمين وليس عليه رقيب أو حسيب يكون عرضة للسرقة، وجريا على هذا المثل وبعد التعديات والسرقات المتتالية التى طالت عددا من العربات الحكومية، حق ان يقال فيها (العربات الحكومية السايبة تعلم السرقة)، فلم تكن حادثة سرقة اجزاء مهمة بلغت قيمتها 28 مليار جنيه من عدد من السيارات الفاخرة ومن مختلف الموديلات ومن داخل حوش وزارة المالية، هي الاولى ولن تكون الأخيرة طالما ان عربات الدولة ظلت بلا رقيب ولا حسيب ولا جهة مسؤولة عنها ومساءلة عليها منذ حل مصلحة النقل الميكانيكي، فمما تسعفني به الذاكرة من عمليات السطو على عربات الميري، اذكر على سبيل المثال العربة الكامري موديل 2017 التابعة للقصر الجمهوري وقدرت قيمتها بـ3.877 مليار جنيه، وايضا سرقة حافلتين من داخل الجراج الخاص بسيارات القصر الجمهوري، وغير (الهملة) التي عليها عربات الحكومة مما يغري بالسطو عليها، فانها تتعرض كذلك لاستخدامات سيئة ومخالفة للقانون، مثل استغلالها لأغراض خاصة لا علاقة لها بالعمل، واستخدامها فى نقل المخدرات والممنوعات، وغير ذلك من تجاوزات كان يرتكبها ابناء بعض النافذين والدستوريين فى العهد المباد..
الشاهد فى موضوع العربات الحكومية انها تعاني من حالة سيولة فارطة، حيث كان التهافت على شراء العربات على اشده بلا ضابط أو رابط أو كابح أو مرجعية، اذ لم تكن هناك جهة واحدة تتولى مهمة شراء ما تحتاجه الحكومة فعليا من عربات وتشرف على صيانتها ويمكن إستقاء المعلومات الصحيحة والدقيقة عنها، فكانت وما تزال كل مصلحة أو جهة حكومية ترتاد الكرين ومعارض السيارات لوحدها، أو تلجأ لوكلاء السيارات بطريقتها وكلما شاءت ووقتما ارادت، وبهذا إنفرط عقد السيارات الحكومية حتى صار بعض المحظيين يمتلكون منها مثنى وثلاث وربما رباع، واحدة له واخرى لتلبية خدمات المنزل وثالثة لقضاء مشاوير الزوجة أو الزوجات والأولاد، وازاء هذا الانفراط والتفريط والتفلت الذي يكشف عن خلل واضح في النظم الإدارية والمحاسبية الخاصة بالعربات الحكومية، يستدعي ان تكون لها جهة مرجعية تشرف عليها، تحدد صلاحيتها وتختار موديلها وتشرف على شرائها وتحتفظ بسجلاتها، لا أن يترك ذلك لأمزجة ورغبات كبار المسؤولين، وكانت مصلحة النقل الميكانيكي فيما مضى هي المسؤولة عن كل السيارات و مواعين النقل التي ترد للسودان سواء على مستوى الدولة وعلى المستوى الخاص، وتسبب اعدام هذه المصلحة في اهدار
مليارات الدولارات التي انفقت في استيراد سيارات ومواعين نقل تفتقد كل المواصفات وادخلت للبلاد كميات مهولة من (الخرد)، بينما كانت مصلحة النقل الميكانيكي هي المسؤولة عن كل السيارات المملوكة للدولة وهى التي تتحكم في استخدامها واحكام الرقابة عليها وهي التي تتولى صيانتها وتوفير قطع الغيار لها، هذا اضافة الى انها كانت هي الجهة الفنية المختصة التي تحدد أهلية أي سيارة أو ماعون نقل يدخل السودان حتى تضمن توافقها مع بيئة البلاد ومصلحتها العليا وتأمين استغلال افضل لعملاتها الأجنبية المحدودة. فلماذا والحال هذا لا تعاد مصلحة النقل الميكانيكي..
الجريدة
حيدر المكاشفي