الأصم: أحزابنا السياسية معظمها تمارس سلوكًا سياسيًا غير حميد وهي تنظر للخدمة المدنية كغنيمة
الخدمة المدنية من الغنائم إلى الجدارة
تنشغل عدد من مؤسسات العلوم السياسة والحكم الديمقراطي حول العالم بأشكال وبنية الدولة الديمقراطية الحديثة وكيفية الوصول إليها، واحدة من أهم القضايا المرتبطة بهذه الدراسات هي قضية الجهاز البيروقراطي التنفيذي ودرجة كفاءته وفعاليته وكيفية تطوره تاريخيا واستقراره لاحقا، واليوم في السودان وبعد سنة من تأسيس السلطة الانتقالية وجهازها التنفيذي ماتزال الرؤية معتمة وغير واضحة حول كيفية تأسيس جهاز تنفيذي اتحاديا، إقليميا ومحليا يمتلك درجة معقولة من الكفاءة والنزاهة وغير متأثر بصورة مباشرة بالصراع السياسي والعملية الانتخابية عموما، على الرغم من وجود توجه عام في الوقت الآني مطلوب ومفهوم يحتاج لإجراءات استثنائية تقود إلى التخلص من سيطرة النظام البائد على مفاصل الأجهزة التنفيذية ومكافحة فساده المتجذر بها.
من الطبيعي والمفهوم أن تتنافس الأحزاب السياسية على المناصب والوظائف السياسية في هرم الخدمة المدنية التنفيذي اتحاديا، إقليميا ومحليا حيث أن ذلك هو واحد من أهم مجالات الصراع السياسي، على الرغم من الإرباك الواضح الذي يخلقه الوضع الانتقالي، الإرباك المرتبط بالاستحقاق وبشرعية هذا الصراع من عدمها ومن ثم التنافس المحتدم الذي خلفه وسيخلفه ذلك الصراع بين الفاعلين السياسيين والذي يغلب للأسف الشديد وفي أوقات كثيرة المصالح الحزبية ويغيب الصورة الأكبر، الانتقال وتعقيداته ومهامه المصيرية، فمن الطبيعي أن يعين الحزب الحاكم أو الرئيس المنتخب عددا من القيادات بالخدمة التنفيذية بعد فوزه وعلى سبيل المثال فإنه يحق لكل رئيس جديد منتخب للولايات المتحدة الأمريكية أن يعين ويستبدل حسب القانون قرابة الأربعة آلاف موظف وقيادي بالجهاز التنفيذي، والتبرير بسيط وهو مرتبط بوجود كادر قادر على تنفيذ السياسات والبرامج الحزبية التي تبعا لها اختارته الجماهير.
على صعيد آخر فإنه من غير المفهوم سعي بعض الأحزاب السياسية المكونة للحرية والتغيير لوضع منسوبيها في هياكل العمل التنفيذي الأدنى بالدولة، استبدالا لمنسوبي النظام البائد وغيرهم من المخالفين لشروط الخدمة المدنية وقوانينها للترقي في عتبات العمل التنفيذي، تلك التي يجب أن تكون مستقرة وغير خاضعة لتغير الساسة أو الأحزاب الحاكمة.
نعم الوضع غير الطبيعي ربما جعل خيارا كهذا أسهل أو أفضل ولكنه في الحقيقة خيار في غاية السوء، لأنه يرسي السنة لسلوك وممارسة سياسية غير حميدة، كما أنه يفتح الباب لصراع لا ينتهي وربما بلاسقوفات بين القوى السياسية، حيث يكون أثره المباشر على جودة وكفاءة الجهاز التنفيذي للدولة.
من المهم أن أشير إلى أن محاباة القائد الحكومي التنفيذي عموما للأقارب، للأصدقاء أو لأعضاء الحزب السياسي الذي ينتمي إليه بتعيينهم في مناصب ووظائف الخدمة المدنية عقب تسنمه لمنصب ما، هي من أزمات الديمقراطية التي ظل يناقشها علماء السياسة لزمن طويل، وهي موجودة ومشاهدة حتى اليوم في عدد من الدول الديمقراطية الراسخة بدرجات متفاوتة، ولكن ربما يكون واحدًا من أهم الخطوات لمكافحة هذا الاتجاه هو ابتدار نطام المفوضيات المستقلة للخدمة المدنية، تلك التي تضبط وتنظم قوانين ولوائح الخدمة المدنية بناء على الجدارة والكفاءة في تضاد مع ما سبقها من نظام يتعامل مع الخدمة المدنية باعتبارها غنيمة للحزب أو المنظومة السياسية التي تصل للحكم، وقد كانت حادثة اغتيال الرئيس الأمريكي غارفيلد نقطة تحول مهمة في هذا السياق، حيث في أواخر القرن التاسع عشر قتل غارفيلد بعد أن أصبح رئيسا بواسطة أحد مناصريه في السباق الانتخابي، المناصر الذي كان يسعى للحصول على منصب حكومي تنفيذي كنتيجة لتلك المناصرة، وبعد زمن قصير وعندما لم يتم تعيينه قام مباشرة بقتل الرئيس.
اليوم في السودان نحن في أمس الحاجة لتأسيس مفوضية للخدمة المدنية، تعنى بمراجعة قوانين ولوائح الخدمة لتشكل المرجعية في مسألة استقرار وجدارة وكفاءة الخدمة المدنية وقاعدة الجهاز التنفيذي للدولة، ولايوجد مبرر حقيقة لتأخر تشكيل هذه المفوضية، فهي من المؤسسات المنصوص عليها في الإعلان الدستوري والتي تقع من ضمن اختصاصات الجهاز التنفيذي للسلطة الانتقالية، الحوجة التي تزداد مع استمرار نشاط لجان التفكيك وإزالة التمكين في مختلف ربوع السودان وفي غالب مؤسسات الجهاز التنفيذي وما يصاحبه من تصاعد في الصراع السياسي بين أحزابنا السياسية، التي ماتزال معظمها تمارس سلوكًا سياسيًا غير حميد وهي تنظر للخدمة المدنية كغنيمة، والنداء هنا هو ضرورة تشكيل هذه المفوضية بأعجل ماهو ممكن حتى نبدأ في عملية إخراج الخدمة المدنية من حلبة الصراع السياسي وحتى تتحول من نظام الغنائم إلى نظام الجدارة والكفاءة، وحتى نستطيع أن نجد الحد الفاصل بين التعيين والتكليف الانتقالي الاستثنائي المؤقت والذي نحتاجه لمجابهة النظام البائد وذلك الاستراتيجي الذي ستبنى عليه الدولة وتستقر.
✍🏾د/ محمد ناجي الأصم
صحيفة الديمقراطي
قبل شوية قريت مقال د.مروة وجانى احساس قوى بان لغة المقال وبعض مفرداته لاتشبه لغتها وحسيت انو فى زول كتبو ليها ….لما شفت مقال د.الاصم حسيت بنفس الشئ ….كاتب المقالين واحد نفس المبنى وتوزيع الفقرات والمرجعيات التى يستشهد بها …واهم شى ان المقالين لايشبهان لغتى الدكتورة والدكتور.الملحوظة الاخيرة المقالين بنفس الجريدة ،ياربى هو الكتب ولاهى الكتبت ولا الاتنين كتبو ليهم