حيدر المكاشفي

ترويض الدولار..ليس كل الحل في البل

نعم صحيح ان التصاعد الجنوني غير المسبوق لأسعار الدولار على رأس كل ساعة تقريبا، حتى لامس حدود المائتين والثمانين جنيها، ليس له ما يبرره اقتصاديا ما يعني ان هناك عوامل اخرى منها ما هو سياسي تخريبي ينشط فيه الفلول بهدف اضعاف الحكومة وافشالها، ومنها اشتعال سوق المضاربات الذي حول الدولار الى سلعة مربحة جدا، ومنها لجؤ عدد ليس بالقليل من المواطنين لسحب ارصدتهم من البنوك وتحويلها لدولار تحسبا لانهيار قيمة العملة الوطنية، وصحيح كذلك ان المرمطة والبهدلة التي يعانيها الجنيه السوداني هي واحدة من العلل والاختلالات الموروثة من النظام البائد، ولكن الصحيح أيضا ان بعض سياسات حكومة حمدوك غير الموفقة كان لها دور في هذا الصعود غير المشهود للدولار عبر تاريخ العملة الوطنية، ونذكر من ذلك الزيادة المهولة فى المرتبات دون أي ضمانات لمقابلتها بموارد حقيقية تفي بها واضطرارها لطباعة العملة والاستدانة من الجهاز المصرفي رغم تداعيات ذلك السالبة على الاقتصاد، ومنها السياسات والقرارات المتعلقة بالذهب وتوفير السلع الاستراتيجية، اضافة الى اعلان الحكومة عن اتجاهها لرفع قيمة الدولار الجمركي من 18 إلى 30 جنيها، ورفع سعر الدولار الرسمي فى البنوك الى 122، فهذه السياسات والقرارات تتحمل ايضا جزء من مسؤولية صعود الدولار والعملات الاخرى وهبوط وتردي قيمة الجنيه..
ولكن هل تكفي المعالجة الامنية التي اعلنتها الحكومة بالامس وحدها لمجابهة هذا التحدي الخطير، الاجابة عندي أن لا، فالمعالجة الأمنية لوحدها لا تكفي اذ يمكنها ان تنجح فى لجم المضاربين والمخربين ووقف نشاطهم الهدام بيد ان ذلك لن يوقف جموح الدولار كلية ولن تستقر اسعار العملة، ويستدعي الامر اكمال المعالجة الامنية بوصفات علاجية اخرى تحت يد الحكومة، ولا اظن انها خافية على خبراء الحكومة الاقتصاديين، فالحاجة اولا ماسة وعاجلة لضبط اختلالات الميزان التجاري الذي تفوق قيمة الواردات فيه بكثير جدا قيمة الصادرات، ولهذا كنا نأمل على الأقل لاستعدال هذا الخلل، ان نسمع عن قرارات عاجلة بخفض كثير من السلع المستوردة، فالمعلوم اننا نستورد الالاف من السلع والمنتجات وهذا رقم كبير جدا مقارنة بالظرف الاقتصادي الضاغط الذي تعانيه البلاد، وهذا ما كان يستوجب اصدار قرار عاجل بالغاء استيراد اي سلعة أو منتج غير القمح والدقيق ومشتقات البترول والادوية والاسبيرات ومدخلات الإنتاج الزراعي والصناعي والحيواني، كما افتقدنا فى قرارات الطوارئ الاقتصادية اي اشارة للتقشف العام وخفض الانفاق الحكومي الى ادنى مستوى وفي الحدود الضرورية جدا التي لا غنى عنها، وبغير ما ذكرنا من اجراءات لم تتضمنها قرارات الطوارئ، تبقى الخشية ماثلة تنبئ عن فشل المعالجة الامنية لوحدها على النحو الذي عايشناه كثيرا خلال العهد البائد دون جدوى، أما الحل الناجز والحاسم الذي لا بديل له فهو الانتاج الانتاج الانتاج، فبالانتاج لن نحتاج لأي كان ولا لأي تدابير ادارية أو امنية لمحاربة السوق الموازي، فعندما يتوفر الدولار لمن يحتاجه وفى الوقت الذي يريده عبر منافذ الدولة الرسمية، وقتها سيختفي الى الابد ما يعرف بالسوق الموازي..
الجريدة
حيدر المكاشفي