سوف يتململ جون كينز في قبره؛ إذا سمع بالكيفية التي يُدار بها الاقتصاد السوداني
#الجزء_الأول: استبدال العملة الوطنية وتبني الرقمنة أم تعبئة (زيادة) الإيرادات المحلية؛ ما هي الأولوية الأسرع تأثيراً للاسهام في وقف الانخفاض المتسارع في قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية؟!!
#غرق_سفينة_تايتنك؟
في الأدب والسينما كثير من الدروس والعبر المستفادة، وهنا أشير إلي الفيلم والرواية الشهيرة “تايتنك” في نهاية القرن الماضي ….
فقد كانت السفينة توشك علي الغرق، بالرغم من ذلك كان كل من بداخلها كان يمارس حياته بصورة طبيعية، حيث كان الحب بين العشيقين حاضر ومتواصل، وكان الكل داخل السفينة طبيعياً في تصرفاته رغم يقينهم بحتمية الغرق ….
وعند الغرق اختفت بالطبع كل مظاهر الدعّة والسرور لكل من العاشق والتاجر والسياسي، المهموم بإصلاح الوضع، وغيرهم..وربما يكون حال السودان هكذا في مقبل الأيام إن لم يتم التدارك!!!!!!! ونتمنى أن تكون الثورة المجيدة حااااااضرة كما عودتنا.
#أولاً: الأرصدة النقدية المتداولة حقائق وأرقام!!!!
1. كانت آخر عملية استبدال للعملة الوطنية في الفترة من 23 يوليو إلى الأول من سبتمبر 2011 أي مباشرة بعد انفصال جنوب السودان، وقد بلغت مصروفات الاستبدال 169 مليار جنيه (حوالي 80 مليون دولار).
حيث كان وقتها العملة المتداولة لدى الجمهور في حدود 12.8 مليار جنيه، وعرض النقود 41.9 مليار جنيه.
2. عند المقارنة بشهر يونيو 2020 فقد بلغت العملة المتداولة في يد الجمهور 344 مليار جنيه (تضاعفت 27 مرة تقريباً)، وبلغ عرض النقود 837 مليار جنيه (تقريباً تضاعف 20 مرة). وهذا يعني أن تكلفة الاستبدال ستكون كبيرة جداً وربما تتجاوز التكلفة السابقة بحوالي 6 أضعاف على أقل تقدير!!!!
وبناءً عليه، دعوني أطرح لكم الأسئلة الآتية (قبل الشروع في الاجابة عليها لاحقاً)؟
1. هل يوجد دليل على أن الابقاء على العملة الحالية بمختلف الفئات دون تغيير هو من أهم أسباب الأزمة الاقتصادية الحالية؟
2. وإن كان الأمر كذلك، هل سيسهم استبدال العملة أو جزء من فئاتها (كما في تجربة الهند نوفمبر 2016) في تخفيف مشكلة الاقتصاد الموازي المتمثلة في وجود أرصدة نقدية حقيقية وكبيرة خارج سيطرة البنك المركزي والدولة؟
3. ما الضمان لبقاء الارصدة النقدية المستهدفة في القطاع الرسمي لو تم الاستبدال كما في التجارب السابقة غير الناجحة؟!
4. هل باستطاعة الحكومة الانتقالية توفير المبالغ المطلوبة بالعملة الأجنبية خاصةً في حال قررت الالتزام بالعدد الامثل للعلامات التأمينية التي تجعل عملية تزوير فئات العملة شبه مستحيلة؟
5. ماذا عن الاستثمار في الرقمنة Digitization بحيث يتم النظر في إدخال شكل جديد من العملات الرقمية القانونية الصادرة عن البنك المركزي (CBDC)، على غرار تجربة بعض الدول التي استهدفت تقليل العملة في يد الجمهور؟؟
ماذا عن تطوير نظم الدفع للمساعدة في تقليل التعاملات النقدية؟ وتعديل القوانين ذات الصلة الداعمة لهكذا توجه؟
#ثانياً: معضلة تعبئة الايرادات المحلية
1. تتسم كفاءة التحصيل الضريبي في بلدنا الحبيبة بانخفاضها الشديد، الأمر الذي أسهم في تدهور المركز المالي للحكومة الانتقالية، حيث أن العجز المستمر في الموازنة هو نتيجةً للضعف البائن في زيادة الايرادات المحلية.
2. وفي نفس السياق، لم تتجاوز نسبة الجهد الضريبي محطة ال 6% من الناتج المحلي الإجمالي لفترات طويلة، وهي بعيدة جداً من معدل ال 12.75% من الناتج الإجمالي وهي النسبة المثلى التي تجعل وزارة المالية توفي بالتزاماتها تماماً وتوقف طلب النجدة (الطباعة) من البنك المركزي، راجع دراسة غاسبار وآخرون الصادرة عن صندوق النقد الدولي في 2016 (مرفقة)
Tax Capacity & Growth: Is there aTipping Point?
3. خسارة الايرادات (الاعفاءات الجمركية)، والمتمثلة في فقدان 43% في شكل تعرفة جمركية، و37% في شكل ضريبة قيمة مضافة على الواردات، حيث أن الخسارة الكلية في ضرائب التجارة الدولية تعادل 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي.
بناءً عليه، فإن إشكالية تعبئة الايرادات هي المسؤول الأول عن انخفاض قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، لكون وزارة المالية في أحايين كثيرة تكون مضطرةً لهذا الخيار.
ويجب أن يعلم الجميع أن الحقيقة الاقتصادية Economic Reality هي أن أي زيادة مفرطة في عرض النقود سينتج عنها انخفاض كبير في قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وأثر هذا الانخفاض سينتقل سريعاً إلى التضخم بسبب استيراد مختلف السلع والخدمات من الخارج وفق سعر السوق الموازي (حالياً يغطي السوق الموازي بين 80% إلى 85% من إجمالي الواردات علماً بإن السودان ظل يستورد في المتوسط بقيمة 9 مليار دولار في السنة).
من واقع التوضيح أعلاه وفق البنود أولاً وثانياً تبدو الأولوية وااااضحة للحكومة الانتقالية ووزارة المالية لتخفيف حدة الاشكالية وتحسين معاش الناس أي أن تسريع وتيرة العمل في زيادة الايرادات هو سيكون مجدياً أكثر من اللجوء لخيار استبدال العملة الوطنية.
وبالرغم من ذلك لابد من تبيان الخيار الأفضل بعد الفراغ من سرد الحقائق أدناه “على أن تكون البداية بموضوع استبدال العملة الوطنية”:
#التجربة_الهندية_في_استبدال_العملة: تهدف إلى كبح جماع الفساد، تقليل حدة الاقتصاد الموازي/ غير الرسمي، والقضاء على التهرب الضريبي.
{تشبه الأهداف التي نتطلع لوضع الحلول العاجلة لها في السودان}
تمثلت التجربة الهندية باختصار شديد فيما يلي:
تغيير بعض فئات العملة 500 و1000 روبية (higher currency denomination) بهدف مكافحة الفساد والتهرب الضريبي وتقليل آثار تفشي ظاهرة الاقتصاد الخفي/الظلhidden/shadow economy) وامكانية التحول إلى مجتمع غير نقدي (cashless society).
أصدر رئيس الوزراء مودي قراراً مفاجئاً في 8 نوفمبر 2016م بإلغاء فئات العملة من فئتي 500 و1000روبية، والتي تبلغ 14 تريليون روبية أي تمثل 86% من العملة المتداولة (لم تعد من العملات المعترف بها قانونياً) وتم إعطاء مهلة قصيرة جداً حتى 30 ديسمبر 2016م، للمواطنين لإعادة الروبية فئة 500 و1000 وإيداعها عبر كاونتر البنوك أو عبر صناديق البريد، وفي حال ايداع أي شخص ما يعادل السقف المحدد (threshold) ب 2.5 مليون روبية ومقارنة ذلك مع الملف الضريبي الخاص به وفي وجود مخالفة يتم فرض غرامة مالية عالية عليه ويلزم أيضاً بدفع الضرائب بأثر رجعي.
وبعد قرار الالغاء، تم مباشرةً فرض قيود على السحب النقدي عبر كاونتر البنوك أو مكاتب البريد، وكان اقصى مبلغ مسموح به خلال الاسبوع 20 ألف روبية. وتم رفع المبلغ إلى 24 ألف روبية خلال الاسبوع في 25 نوفمبر 2016م. وكذلك تم تقييد السحب اليومي عبر الصراف الآلي في حدود 2 ألف روبية (لكل حساب مصرفي) ولاحقاً تم رفع السقف اليومي إلى 2.5 ألف روبية في اليوم.
ومن ثمّ تم الشروع وقتها في اجراء ترتيبات لتوزيع الأوراق النقدية الجديدة سوف يجري طرحها في الأسواق (يعني تودع مدخراتك في البنك بالقوة وتنتظر لاحقاً استلام ما يعادلها من الأوراق الجديدة) وهي فئة ال 2000 روبية وإحلال ال 500 روبية القديمة “بفئة 500 روبية” جديدة. والهدف هو السيطرة على الاقتصاد الخفي (حيث أن التعاملات التي تحدث خارج القنوات الرسمية، والتي قد تمثل ما يصل إلى 20% من الناتج الإجمالي المحلي). بالإضافة إلى مكافحة تزوير فئات العملة الكبيرة (combating counterfeiting) وكبح جماح الفساد (curbing corruption)، والكشف عن الثروات والتي تقدر بالمليارات بسبب التهرب الضريبي (tax evasion).
تجدر الإشارة إلى أن قرار الحكومة الهندية قد أصاب المواطنون بالذُعر (الآثار الناجمة عن القرار)، ونتيجةً لذلك هرعوا للاصطفاف أمام البنوك لاستبدال أرواقهم النقدية وفي مشهد أقرب لحالة البانك رن “أي عندما يصطف جمهور المودعين للسحب الجماعي لودائعهم (bank run) بسبب اهتزاز الثقة في النظام المصرفي”. والبعض منهم هرع للصرافات الآلية (بها ميزات السحب والايداع ATMs & CDMs) لممارسة بعض الحيل، مثلاً إيداع فئة ال 500 روبية وسحب فئة ال 100 روبية أو 400 روبية (وتخزينها مرة أخرى في البيوت)، ولكن الخطوة الاحتيالية لم تُثمر إذا نفذت الأوراق النقدية المستهدفة وتطلعت الخدمة وأغلقت ما يعادل 50% من الصرافات الآلية بسبب الاستخدام الكثيف (علماً بأن عدد الصرافات الآلية بالهند بلغ 202 ألف ماكينة).
كما أكثر الفئات تضرراً هم الافراد الذين ليس لديهم حساب مصرفي ويحتفظون بمدخراتهم نقداً ولا سبيل لهم غير الشروع في فتح حسابات مصرفية لإيداع مدخراتهم فيها، وهذا بالطبع يندرج تحت رب ضارة نافعة، بحيث يزيد عملية الشمول المالي (financial inclusion) ويسهم في تحويل الهند إلى مجتمع غير نقدي نحو (cashless society).
ولامتصاص التذُمر والقلق جاءت التصريحات الحكومية في شكل سياسة تواصل لطيفة (soft communication policy) واتسمت بتذكير المواطنين لأهمية الحس الوطني عن طريق منهج الترغيب السلوكي (nudging) وأن يصبروا لمدة 50 يوماً لإرجاع الوضع كما هو قبل قرار الاستبدال، حيث تم رفع أحد المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي على النحو التالي “إذا كان الجنود يمكنهم الوقوف لساعات يومياً لحراسة حدودنا، فلماذا لا نقف ساعات قليلة في طوابير البنك؟ وهنا لابد للمواطنين من التضحية للمساهمة لتحسين الاقتصاد الهندي.
#كيف انتهت أزمة الهند؟
أدى قرار الإلغاء المفاجئ لبعض الفئات في الهند إلى تعثر الملايين من الهنود لعدم قدرتهم على سحب أموال لتغطية نفقاتهم اليومية وشراء متطلباتهم الأساسية نتيجة الاعتماد على المعاملات النقدية بشكل رئيسي. وواجهت تجربة الهند عدداً من المشكلات، لكنها نجحت في النهاية، لأنها كانت تستهدف مواجهة الفساد من خلال تغيير شكل الروبية الهندية، وحالياً استقر الوضع تماماً وعادت الثقة في النظام المصرفي وأضف لذلك سجل إجمالي تحويلات الهنود العاملين بالخارج (remittances) مبلغ 97 مليار دولار في ديسمبر 2018م. وهذا يمثل أعلى معدل تحويلات في العالم وفق التقرير الصادر من البنك الدولي في هذا الشأن.
وختاماً يمكنني القول التالي (وبكل أسف)!!!!
“John Maynard Keynes would definitely turn over in his grave; if he heard about how sudanese economy is now being managed at the moment”.
قطعاً سوف يتململ جون مينارد كينز في قبره؛ إذا سمع بالكيفية التي يُدار بها الاقتصاد السوداني في الوقت الحالي.
نكتفي بهذا القدر، وسنواصل الجزء الثاني لاحقاً
فاروق كمبريسي
11 سبتمبر 2020
الشئ المحير انو عندنا ناس ماشاء الله عليهم فااااهمين الأقتصاد كعلم هام لكن مصيبتنا في البيجي يقعد ف كرسي الوزارة (خرمجة شديدة خلاص)
لكن الواحد يمشي بره يطبق العلم زي ماهو ويبقي خبير بس يجي هنا يطربقا فوق راسنا
الله يكون في عون السودان والسودانيين
#يسقط حمدوك والقحاتة#