تحقيقات وتقارير

اتهامات الفساد والسياسة .. مُنظَّمة الدعوة الإسلامية .. خيوط الظلام وتدحرج كرة الثلج (3ـ 3)

*قِيادي بمُنظَّمة الدعوة الإسلامية : الإنقاذ استولت على أراضي للمنظمة وانشأت عليها مول عفراء وفندق السلام روتانا

*منظمة الدعوة الإسلامية تتهم أفراد بلجنة التمكين باستخدام سيارات صُدرت مِنها

*العاملون بالمنظمة: “ماعندنا شغلة بالسياسة” ونُريد استحقاقاتنا المالية

“كانت مُنظمة الدعوة الإسلامية تعمل بشكل جيد، قدمت للسُّودانيين خدمات جليلة لا يُمكن إنكارها سيما فِي جنوب السُّودان قبل انفصاله بيد أنّ الأمر تبدّل بتسارع الأحداث السياسية وسيطرت الاسلاميين على مقاليد الحُكم”.
هكذا اختصر موظف سابق بالمُنظَّمة التي عمل بها لسنوات عِدة كيف بإمكان السياسة ما أن تختلط بشيء أن تُفسده مُستذكراً ما أشار إليه الشيخ “محمد عبده” بقوله : قاتل الله السياسة فإنها ما دخلت في شيء إلا أفسدته.

*أُجور ضئيلة
(الجريدة) فِي هذه الجزئية الأخيرة من التحقيق استمعت لعدد من العاملين بمُنظَّمة الدعوة الإسلامية كشفوا دهاليزها وماظلْ لسنوات عديدة طَيِ الكِتمان، عمل مدني محمد أبو الفتح لقُرابة الـ(٢٧) عاماً مُوظفاً بقسم إدارة التقييم والمتابعة والتخطيط والجودة – أحد أقسام المُنظَّمة بمقرها الرئاسي – طِوال هذه المدة لم يتجاوز راتبه الشهري(٥٠٠٠) جنيه، ووفقاً للموظفين فإن الرواتب فِي حدها الأعلى لم تتجاوز الـ(٤٠٠٠) جنيه و(١٢٠٦) كحد أدنى، مايعني أن الغالبية تُعاني في ظلْ إرتفاع أسعار السلع عامةً، احتجاجاً على الوضع المأساوي حَد تعبيرهم طالب العاملون وصِغار الموظفين الإدارة العليا بالمُنظَّمة وعبر لجنة شُكلّت بتحسين أوضاعهم إلاّ أن قرار حلّ المنظمة حال دُون معرفتهم بالقرارات المُتخذة.

خطوة أُخرى فِي رحلة البحث عن حُقوقهم قادتهم لطرق أبواب وزارة المالية فأُوصدت بإحكام في وجوههم كما يقول مجاهد عبد المنعم لـ(الجريدة) بعد حلّ المُنظَّمة لم نجد أي جهة نلجأ إليها لاسترداد استحقاقاتنا المالية، تم بناءً لمطالب العاملين تكوين لجنة تنوب عنهم للبحث عن الرواتب علماً بأن العاملين بالمنظمة لم يتقاضوا رواتبهم منذ عيد “الفطر” المنصرم وحتى الآن، وظلوا بمعية أُسرهم على حَد الكفاف.

المدير الإداري بمُنظَّمة الدعوة الإسلامية أحمد صالح يقول إن الراتب الأساسي الذِي يُمنح للموظفين (٦) ألف جنيه، وهُناك عُقود تُنشأ لحالات خاصة تبلغ قيمة أقصاها (٣٠) ألف جنيه وهو راتب الأمين العام للمنظمة السفير عطا المنان بخيت، مُشيراً إلى أن العاملين حُرموا مِن إمتيازات عِدة فيما يتعلق بالرضا الوظيفي مُسترسلاً : “نحن ندفع مثلنا والمُواطنين عِند دُخول المُنتزهات التابعة للمنظمة، وأولادنا محرومين مِن الدراسة بمدارسها الخاصة إلاّ لمن يمتلك الاستطاعة المالية.”ويواصل: التأمين الصحي المُخصص للموظفين (شوامخ) واصفاً الخدمات التيّ يُقدمها بالرديئة للغاية وهو ما اتفق عليه جُل الموظفين. بيد أنّ هذه “الشوامخ”على عِلتها غير مُتوفرة لموظفي البعثات الخارجية بالولايات هذا ما أراد أنّ يتطرق له صلاح عبدالله المسؤول عن بعثة المنظمة بولاية كسلا في حديثه لـ(الجريدة)، وأضاف : التأمين الصحي يُمنَح للعاملين فِي رئاسة المنظمة فقط، بينما يُعطى بقية موظفي البعثات كتعويض مبلغ (٣٠) جنيه شهرياً.

*بِعثات خارجية
يعمل بالمقرّ الرئاسي لمُنظَّمة الدعوة الإسلامية قُرابة الـ(٢٥٠) مُوظف بتخصصات مُتباينة، كما يضم اصطاف المعلمين/ات بمُؤسسة مدارس المجلس الأفريقي احدى مُوسسات المُنظَّمة الإستثمارية حسب إحصائية أكدها مديرها الإداري أحمد صالح (١٧٥٠) معلم/ة.

هُناك أيضاً أفرع عديدة وبِعثات ببعض الولايات كما ذكرنا فِي جزئية التحقيق الأولى تأتي بعثة شرق السُّودان فِي مقدمتها، وثلاث بِعثات بولايات دارفور، ثْم ولايتي النيل الأزرق والأبيض، وولاية غرب كردفان، وأخيراً العاصمة المُثلثلة والتي حسبما أكد صالح تُسَلط اهتمامها بالمناطق التّي تحتضن الشرائح الضعيفة كمنطقة جبل أولياء بالخرطوم، ومناطق “دار السلام” بأمد رمان.

*خطوط عريضة
(الجريدة) تَمكنت مِن مُحاورة مُدير المُنظَّمة بمناطق وسط أفريقيا والتّي تضم دُول رواندا، بورندي، الكنغو، يوغندا، د.عمر محمد صالح المُقيم بيوغندا، بدأ حديثه بهُجوم شنه على حُكومة الإنقاذ البائدة فقال : “مُنظَّمة الدعوة الإسلامية تضررت وبصورة كبيرة جداً مِن سياسات الإنقاذ سيما فِيما يتعلق بتطبيق القانون الخاص بالمُنظَّمة، حيث لم يُنفذ القانون كما صدر، ولَمْ تكن هُناك أي إمتيازات دبلوماسية أو مالية للموظفين العاملين خارج السُّودان، ولم يكن يُسمح لهم حمل العملات الأجنبية خلال مُغادرتهم السُّودان لمقار عملهم”، ويكشف صالح لـ(الجريدة) حقيقة استيلاء النِظام البائد على أراضي تعود مِلكيتها للمُنظَّمة وإنشاء عدد مِن أهم وأشهر المرافق الإستثمارية بالعاصمة الخرطوم، قائلاً :”الأراضي التّي يقف عليها مول عفراء التجاري وفندق السلام روتانا مِلك لمُنظَّمة الدعوة الإسلامية سلبتها الإنقاذ عنوةً ومُنحت لمستثمرين دُون وجه حق”.

الأمر لم يقتصر على ذلك، يقول نائب مُدير إقليم جنوب السُّودان الطيب الفضل والذِي تحدثت معه (الجريدة) أيضاً مِن جوبا، الحكومة البائدة كانت تحتجز السيارات التابعة للمُنظَّمة بالميناء لأسابيع عديدة، اضافةً لحاوية طعام ظلت حتى فسدت.

*مفاصلة المخلوع والترابي
يرى العاملون بمُنظَّمة الدعوة الإسلامية أنّ قرار لجنة إزالة التمكين والفساد بحلّ المنظمة مِن شأنه تشريد المئات مِن صِغار المُوظفين بالعاصمة والولايات، مُطالبين اللجنة إن كانت لديها تحفظات حول عمل المُنظَّمة بتقويمها وليس كسرها، يستدل إبراهيم الأمير، المُدير الإقليمي للمُنظَّمة بغرب إفريقيا بما حَدث إبان المُفاصلة الشهيرة بين المخلوع والترابي، حيثُ تمت إقالة الأمين العام حِينها بعد عُدة مشاورات وتعيين بديلاً له حفاظاً على إستمرار عمل المنظمة، مُضيفاً في حديثه لـ(الجريدة) جُل العاملين بالمُنظَّمة “ما عندهم شغلة بالسياسة”، وفِي ظلْ هذه الأوضاع الاقتصادية الطاحنة هم أحوج مايكون لمُستحقاتهم المالية.

يذهب في الإتجاه ذاته القيادي الإسلامي أسامة توفيق مُطالباً إذا ثبت تورط المُنظَّمة في السياسة بتقويمها ذلك لأن السُّودان أحوج مايكون لِما تقدمه المنظمات في الوقت الحالي، هُناك”سيول” تضررت مِنها بعض الولايات، اضافةً للأوضاع الصحية المعلومة للجميع، ولفت إلى أن حلّ المُنظمات الطوعية سيتسبب بفقدان السودان المانحين سيما وأن (90)% مِنهم من الدول العربية.

*اتهامات و لجنة التمكين لا ترد
اتهم المستشار القانوني للمُنظَّمة مصباح عبدالله أفراد يتبعون للجنة إزالة التمكين والفساد باستخدام سيارات تمت مُصادرتها مِن مُنظمة الدعوة الإسلامية وشركة (دانفوديو) التابعة لها، وقال مصباح إنه تم إلقاء القبض على الأمين العام بالمنظمة ومدير شركة دانفوديو والمسؤول من السيارات لأن اللجنة اكتشفت ان جهاز(الفرامل) الخاص بسيارة الأمين العام مفقود، ليُطلق سراحهم لاحقاً، كما تم إلقاء القبض على اثنين مِن المُوظفين مِن داخل منتزه مدينة الطفل بتُهم مُتعلقة بالنهب والسرقة حيث ذكرت اللجنة أنّها وجدت كُسوراً ببعض أبواب المكاتب كما تمت سرقة مرواح ومكيفات بالرغم من أن المقرّ كان تحت حِمايتها.

يُشير مصباح إلى أن مقار البعثات في الولايات لم يتم اتخاذ أي قرار أو إجراء حتى الآن بشأنها بخلاف مؤسسات التعليم بالولايات التي باتت في يد لجنة التمكين وتحت حراستها، أما المقار الأخرى لم يصدر بحقها أي أمر، كما ان هناك عقارات تم رصدها بالمؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه حلّ المنظمة إلا أنه لم يحدث شيئاً على أرض الواقع، ولفت إلى أنّ المنظمة شرعت في الإجراءات القانونية والأمر الآن بيد لجنة الإستئناف والتي سيصدر قرارها قريباً.
ليكتمل التحقيق، (الجريدة) طرحت جُملة من الاسئلة على لجنة التمكين والفساد منذ الـسابع من اغسطس المنصرم وبالرغم من مرور قُرابة الاسبوع ونِيف إلاّ أنه وحتى الآن لم نتحصل على أي (رد).

سلمى عبدالعزيز
صحيفة الجريدة