إذا عرف المستورد ان الدولار الجمركي سيزيد العام القادم، فإن هذا يعني (ان يستورد السلعة ويتم تخزينها)
الموازنة أم إعتماد مالي؟
زيادة الإنفاق وتراجع الإيرادات والإستدانة من النظام المصرفي!
(1)
من المفيد التوقف عند هذه الأرقام قبل الخوض في التحليل :
– تقديرات إيرادات الموازنة العامة ٥٦٨.٣ مليار جنيه انخفضت إلى ٣٩٦.١ مليار جنيه.
– زادت المصروفات بنسبة ٨٪ وبلغ ت ٦٣٥.٤ مليار جنيه.
(لاحظ ان الإغلاق بسبب كورونا أثر على الإيرادات ولم ينعكس ذلك على المنصرفات التي زادت دون أن يكون هناك صرف ملحوظ على التنمية او مشروعات جديدة، كما أن الدعم الصحي توفرت له موارد أجنبية تجاوزت ٣٠٠ مليون دولار، ولم ترد اي إشارة لحملة القومة للسودان).
– تبرعات أصدقاء السودان بلغت ٢ مليار دولار موزعة كالآتي :
* ٦١٣.٢ مليون دولار مساعدات تنموية.
٤٨٤.٧ مليون دولار دعم نقدي للأسر يقدمه البنك الدولي
* ٥٨١.٤ مليون دولار مساعدات إنسانية، جملة ذلك مليار و٨٨٠ مليون دولار، وعليه لن يكون لذلك أي تأثير على تثبيت سعر الصرف أو توفير السلع الإستهلاكية، فالمبلغ المتبقي لا يتجاوز ٢٠٠ مليون دولار.
– زادت تعويضات العاملين اي المرتبات بنسبة ٣٠٠٪.
– زادت السلع والخدمات ١٩٨٪(تم تضمين تسوية المدمرة كول فيها بمبلغ ١٠ مليار جنيه)
– المسترد من النظام السابق ٤٩٠ مليون دولار (76 مليار جنيه سوداني) .
ونتيجة لذلك حدثت مفارقات كبرى نوجزها في الآتي:
– ارتفع العجز في الميزانية من ٧٣ مليار جنيه إلى ٢٢٤ مليار جنيه.
– زادت نسبة الإستدانة من النظام المصرفي ٣٣٠٪
– العجز في الناتج المحلي ١٢٪
– زاد عرض النقود من ١٠٣٠ تريليون إلى ١٢٠٢ تريليون، تخيل ان الحكومة وخلال ٦ أشهر طبعت من العملة ما يساوي ٢٠٪ مما طبع منذ الإستقلال!
– زيادة معدل التضخم من ٣٠٪ إلى ٦٥٪ وهذه الأرقام لا تتطابق مع الواقع، لإن اخر تقرير لمركز الإحصاء لشهر يونيو ٢٠٢٠م أشار إلى أن التضخم زاد عن ١٤٢٪.
(2)
بالإضافة للتضخم المفرط وغياب أي مؤشرات للتنمية ودعم الإنتاج والمنتج أو تخفيف أعباء المعيشة ، فإن ثمة ثلاث إشارات مهمة:
أولا: تحريك وزيادة الدولار الجمركي خلال ثلاث سنوات ، هذا أمر يفتقر للحصافة والخبرة المهنية والنظرة الإقتصادية، و ببساطة للأسباب الآتية:
١. إذا عرف المستورد مسبقا ان الدولار الجمركي سيزيد العام القادم، فإن هذا يعني (ان يستورد السلعة ويتم تخزينها) فهذا فوق أنه ربح سهل، فإن ذلك تهرب جمركي وتحايل بقرار من المشرع.
٢. إن زيادة الدولار الجمركي تتطلب مباشرة تعديل قانون الجمارك والفئات الجمركية وهو أمر لابد أن يصاحب الموازنة ويرفق معها.
٣. زيادة في غلاء الأسعار وضغط المعيشة.
٤. ضغط على العملة الوطنية، فهذا إعتراف ضمني بتحريرها وإعتماد هذا السعر كحد أدنى.
ثانيا: إن فتح الباب للقطاع الخاص لإستيراد المحروقات يعني ضمنيا ، تحرير سعر الوقود وسحب الدعم، و ببساطة لن يكون متوفرا سوي وقود بأسعار السوق ومعلوم ان الوقود يمثل ٧٩٪ من جملة الدعم ومع الحديث عن رفع الدعم عن الكهرباء وخفضه من ١٧ مليار جنيه إلى ١٠ مليار جنيه يعني زيادة تعرفة الكهرباء وبذلك (تنفض الحكومة) يدها من دعم السلع، خاصة أن الحكومة سبق واجازت الخبز التجاري وسيؤدي ذلك تلقائيا لإلغاء دعم الدقيق مستقبلا.
ودون أن ننسى ان فتح الباب للإستيراد يتطلب إجراءات تضمن حفظ حق المستهلك في أسعار مناسبة ووفق السعر العالمي.
ثالثا: هذه الإجراءات التي تمت وما سبقها، لا يمكن تسميتها بالموازنة وإنما هي أقرب للإعتماد المالي، ومنذ البداية تم رهن إجازة الموازنة بعنصرين : الحوار المجتمع للنقاش حول الدعم ومؤتمر أصدقاء السودان والأول لم يتم والثاني لم يحقق نتائجه، وعليه لا يمكن القول ان هذه موازنة، إنها مجرد اعتماد مالي عن الإيرادات والمنصرفات ويكفي هذا وحده للقول بفشلها وسوء مآلاتها! وغياب الخبرة في إعداد الموازنة.
لقد ذهب د. إبراهيم البدوي وزير المالية السابق لتبنيه هذا الخيار وجاءت هذه الموازنة على خطته (الحافر بالحافر) ومن الواضح أن القوى السياسية التي ملأت الدنيا ضجيجا كانت تناور فقط وتمارس الخداع و(الإدارة عن بعد).
و إشارة أخيرة لم تتحدث الموازنة المعدلة في أهدافها عن الشفافية او الإحاطة بالمال العام أو أي مشروعات تنموية جديدة أو أي أهداف لتحقيق السلام أو إجراء إنتخابات، إنها حالة (توهان تام) والضحية المواطن !
والله المستعان
د. إبراهيم الصديق على
الإثنين ١٠ أغسطس ٢٠٢٠م