الدولة في وحل الخريف
خريفا بعد اخر .. تذكرنا السيول والأمطار الغزيرة التي تهطل على البلاد بالفشل الذريع حيث لا تتوفر الجاهزية الخدمية لمواجهة مشاكل الخريف وبخاصة السيول والأمطار الغزيرة التي تسبب أضرارا موجعة تلحق بالمواطنين والممتلكات كما حدث مؤخرا حيث داهمت السيول العديد من المناطق وأجبرت الأسر على مغادرة ديارهم هربا من الأخطار الخريفية المحتملة .
الى أين يأوي سكان شرق النيل عندما تداهمهم السيول ؟.. بالطبع يأون الى شارع الأسفلت ليعصمهم من الماء!
ما نريد قوله هنا أن قطاعا واسعا من أرض السودان ان لم تكن البلاد بكاملها تتحول في موسم الخريف الى مسطحات مائية تحاصر القرى واتلاف الممتلكات وجرف الحيوانات وأحيانا تزهق الأرواح غرقا ولطالما هي كذلك فإن الضرورة تقتضي جاهزية السلطات لمواجهة فصل الخريف والأضرار المحتملة مبكرا .
ويفيد التذكير بأنه في عام 1988 شهدت معظم أقاليم السودان أمطارا غزيرة تسببت في حدوث أضرارا كارثية نتيجة السيول والفيضانات غير المسبوقة فمثلا في ولاية الخرطوم استمر هطول الأمطار 12 ساعة بصورة مستمرة بينما بلغ منسوب المياه 420 مليمتر أي ما يعادل 250 % ونتيجة لذلك فقد تضررت العديد من البيوت بالاضافة الى المرافق الخدمية الصحية والتعليمية ودور العبادة أما الشوارع فحدث ولا حرج .
أما الخبر السيء في موسم الخريف الحالي فقد أسفرت الأمطار التي هطلت بغزارة في الأيام الماضية عن وفاة 10 أشخاص وانهيار الاف المنازل وكانت الأضرار واسعة في شرق النيل وتحديدا في منطقة ( أم ضوا بأن ) حيث تقع على أرض منخفضة ما يجعلها وجهة للسيول الجارفة المنحدرة من جهة الشرق بصورة دائمة ورغم وضوح ذلك السبب غير ان السلطة المؤقتة الحاكمة تبدو غير حريصة على ايجاد معالجة جذرية لمشكلة السيول والمتمثلة في شق مصرف مائي تحت شارع الأسفلت الرئيسي الذي يربط منطقة شرق النيل مع العاصمة الخرطوم ما يسمح بمرور السيول باتجاه النيل الأزرق بصورة انسيابية وإذا تحقق ذلك فإن البيوت تكون في مأمن السيول .
ونظرا لأن السلطة المؤقتة تبدو غير جادة في تنفيذ المشروع المناسب لتصريف مياه السيول والحيلولة دون محاصرتها البيوت وإلحاق أضرار جسيمة بالممتلكات لجأ المواطنون في المناطق المتضررة من تلقاء أنفسهم بكسر شارع الأسفلت وعمل الفتحة التي ساهمت في تصريف مياه الأمطار بفاعلية وان أعاقت انسيابية حركة السيارات .
من الواضح تماما أن الأسر التي لحقت بها أضرار السيول والأمطار الغزيرة غادرت منازلها هائمة في كل اتجاه بحثا عن مناطق تكون جافة وغالبا ما تكون وجهتهم الى شارع الأسفلت الذي هو المكان المناسب ليعصمهم من السيول وهناكز يلتحف الناس السماء ويفترشون الحصي ويتوسدون الأحذية .
ويبدو واضحا من التجارب مع السيول في السنوات السابقة لا ينتظر الأهالي جفاف المياه السيول عاجلا بل من المنتظر أن تمكث زمنا طويلا مما يجعلها مرتعا خصبا لتكاثر الافات والحشرات الضارة بصحة الإنسان وهذا بحد ذاته يشكل تحديا مضاعفا يفوق مواجهة مشكلة السيول ما لم تقم الولاية تحديا بتنفيذ ببرامج اصحاح بيئة فاعلة وعائلة .
ونشرح أكثر ان مواجهة مشكلة السيول التي تحاصر القرى بحق تتطلب الكثير من الجاهزية الميكانيكية والبشرية والعمل الجاد وعدم التأجيل وبالطبع يتأتى ذلك حينما نرى السلطة المؤقتة وهي تقوم بدور فاعل يتمثل في إقامة شبكة لتصريف في المواقع التي تشكل مجرى لسيول الأمطار وفي حال تحقق ذلك تمضي السيول بصورة انسيابية الى النهرين النيل الأزرق والأبيض وبذلك تنتهي مشكلة محاصرة مياه الأمطار للقرى .
سليمان الماحي
الانتباهة