عن كراهية “التجارة” بالدين !
واحدة من أهم مزاعم العلمانيين قولهم إنهم لا يكرهون الدين في ذاته لكنهم يكرهون التجارة به، هذه الدعوى مليئة بالثقوب من كل صنف ولون :
⁃ أولاً لأن العلمانيين ( وفيهم ملحدون ) أولى بتهمة التجارة الخاسرة بالدين، فالتجارة بالدين، بمعنى أصل فكرة الدعوة إلى تحكيمه ليست شيئا مذموماً، فكلمة التجارة بالمعنيين السلبي والإيجابي ( الدعوة إلى الدين ومحاربته) وردت في عدة آيات في كتاب الله والعلمانيون أولى بالسلبي منها .. قال تعالى ( أؤلئك الذينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُم) فمن هو ذلك الذي يستطيع أن يصف فكرة الدعوة إلى تحكيم الدين في أصلها بأنها ضلالة وتجارة محرمة بالدين وأن العكس هو الهدى ؟! قال تعالى (إن الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ) فهل يستطيع العلمانيون أن يدعوا أنهم يتاجرون بالدين تجارة محمودة .. قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } فأين العلمانيين من هذه التجارة؟!
⁃ لأن بعضهم يتهم النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بالتجارة بالدين، وكتب العلمانيين مليئة بهكذا دعاوي وكلها تجد الإحتفاء والتقريظ من عامة العلمانيين ويحضرني الآن كتب سيد القمني وخاصة كتابه (الحزب الهاشمي) وكتاب محمد محمود كسلاوي ( نبوة محمد التاريخ والصناعة).
⁃ لأن المنافقين الأوائل كانت لهم حجج مشابهة في حربهم على الدولة الإسلامية .
⁃ لأن موقفهم من الدين سابق لمجئ الإنقاذ وكان بذات الحدة سابقاً، بل إن بعضهم عندما يمدح أيام زمان يقول: زمان زمن البارات والأنادي وصفوف الدعارة البلد كانت بي خيرها وكان كل شئ فيهو بركة، فالعلمانيون ممن يقولون بهذا القول غاضبون من الإنقاذ بسبب حرمانهم من هذا الخير وهذه البركة، ولهذا لجأوا إلى تعديل القوانين عسى أن يقتربوا من تلك الأيام وفي قلوبهم حسرة أن عودتها كما كانت أصبحت شبه مستحيلة.
⁃ لأنهم يحتالون بالتلاعب بتسمية العلمانية وباللجوء إلى حيلة التدرج لخداع الشعب الذي ينظرون إليه كشعب جاهل لن يقبل العلمانية إذا تمت تسميتها بإسمها وتم تطبيقها دفعةً واحدةً، فهذا ليس عمل من يوقنون بكراهية الشعب للدين بسبب ما يزعمونه من تجارة الإنقاذ به، بل هو عمل من يوقن بالعكس وصاحب موقف من الدين نفسه يحتال على الشعب لتطبيقه.
⁃ لأنهم يعتبرون أن كل من دعا إلى تحكيم الدين متاجرٌ به، وبالتالي يماهون بين الدعوة والتجارة ويقطعون باستحالة الدعوة إلى الدين دون تجارة به، ولا يعتمد حكمهم على تطبيق الداعي جيداً كان أو سيئاً، فلا توجد تجربة منذ نزول الإسلام إلى اليوم نجت من حكمهم السلبي.
⁃ لأنهم لا يقدمون البديل الدعوي الإسلامي الذي يخلص للدين ولا يتاجر به، فبدلاً من الإخلاص في تطبيق الدين دون متاجرة كان حلهم هو إقصاء الدين وكأنه هو المتهم الأساسي بجانب الداعين إلى تحكيمه، وهذا يكشف كذب دعواهم عن كراهيتهم فقط للمتاجرة بالدين ويثبت أن موقفهم هو من الدين نفسه.
⁃ لأنهم عندما يحكمون يلجأون دائماً إلى علمنة القوانين وإلغاء الأحكام الشرعية الموجودة في القوانين التي سنها المتهمون لديهم بالمتاجرة بالدين، فكيف يمكن عد إباحة الخمور والعرى والعروض والمواد الفاضحة اخلاصاً للدين بينما تجريمها هو متاجرة به دون أن يكون الدين نفسه متهماً ؟!
⁃ لأن النظام السابق الذي يصفونه بالمتاجر بالدين ويدعون أنه قد تسبب في كراهية الدين كانت له شعارات وتشريعات كثيرة ليست مستمدة من الدين بصورة مباشرة ويتهمون النظام السابق بأنه لم يحسن تطبيقها، فلماذا خصوا الدين بالكراهية ولم يكرهوا بقية الأشياء التي يزعمون أن الإنقاذ لم تحسن تطبيقها؟! ولماذا عدلوا تحديداً المواد المستمدة من الدين بصورة مباشرة، بينما تعهدوا بالتطبيق الأمين لباقي المواد ؟
⁃ لماذا لا يعترفون بكراهيتهم هم للدين ويدعون بأن الإنقاذ جعلت الشعب يكره الدين بينما هم يحتالون على هذا الشعب نفسه لكي يطبقوا العلمانية ؟! وكيف يقتنعون بهذه حجةً مقنعة لآخرين مجهولين وليست حجة مقنعةً لهم ليصرحوا بكراهيتهم هم للدين ؟
⁃ وإن قالوا إن الناس تتفاوت في مدى وعيها والبعض قد يكون جاهلاً ويكره الدين بسبب “متاجرة” الإنقاذ به! فكيف يجمعون بين هذه الحجة والحجة الأخرى التي ذكرها وفدهم الحكومي المفاوض لوفد حركة الحلو كما نقل د. محمد يوسف، أعني حجة أن هناك نسبة كبيرة من الشعب جاهلة ولن تقبل العلمانية عاريةً ومطبقةً دفعة واحدة؟ كيف يمكن الجمع بين الزعم بأن الأغلبية جاهلة ومتمسكة بدور الدين ولذلك لا بد من الاحتيال عليها، وبين الزعم بأن هذه الأغلبية قد كرهت الدين بسبب الإنقاذ ؟!!
إبراهيم عثمان
بارك الله فيك.. كفيت ووفيت