رأي ومقالات

كعب أخيل الفترة الانتقالية والتحدي الذي لا يمكن تفاديه هو الاقتصاد

“القنبلة الموقوتة”
(1) في خطابه بمناسبة العيد أكد السيد رئيس الوزراء مواصلة الحكومة جهودها لمعالجة الضائقة المعيشية قائلاً “نعيش معاناة شعبنا ونؤكد أن هذه المعاناة ستكون لفترة قصيرة وبعدها سينصلح حال الناس”، لا شك أن هذا ما نرجوه حقاً لبلادنا، غير أن الواقع المعاش ينبئ أن حال الأوضاع الاقتصادية أخطر بكثير من هذه التمنيات، وما تتحدث به مؤشرات الاقتصاد الكلي، وهي معلومات رسمية وليست مجرد تحليلات خبراء، فقد ابتدأ هذا العام ووعد الموازنة بأن يتم خفض معدل التضخم من متوسط 53,9% للعام 2019 إلى 28,7%، ولم يكد ينتصف العام حتى ارتفع معدل التضخم إلى 136%، أي بما يقرب من خمسة أضعاف المتوسط المستهدف لهذا العام، وهو انفجار تضخمي غير مسبوق، فحتى في 2018 عام اندلاع الثورة الذي شهد أسوأ تدهور للأوضاع الاقتصادية فقد بلغ معدل متوسط التضخم 61,9%، أي نصف المعدل الحالي. وأثر ذلك على حياة الناس مما يكابدونه يومياً في معيشتهم مما لا يحتاجون لمن يصفه لهم.

(2)
لا نريد بالطبع أن نلقي باللائمة على السيد رئيس الوزراء في تصريحه المتفائل، فإبقاء جذوة الأمل متقدة في نفوس الناس من صميم دور القيادة، وليس مطلوباً إشاعة روح اليأس، ولكن ذلك أيضاً لا يعني أن يكون ذلك من باب الأماني بلا رؤية من أجل الإصلاح وخطط سديدة عمل دؤوب مقنعة، فغالب الشعب عقلاني يستطيع الصبر على مكاره وآلام الإصلاح متى ما رأى بصيص أمل في نهاية النفق، ولكنه لن يستطيع الصبر في غياب الأمل وانعدام الرؤية.

ففي خطابه عشية مواكب 30 يونيو الماضي أعلن السيد رئيس الوزراء “ستتوالى على مسامعكم في الأيام القادمة عدد من القرارات الحاسمة في مسار الفترة الانتقالية وقد يكون لبعضها أثر كبير سياسياً واقتصادياً واجتماعياً” بيد أنه مرت خمسة أسابيع، ولا أحد يدري ما الذي تنوي الحكومة فعله في التخفيف من الضائقة المعيشية الجامحة، وإن كانت المعطيات المتاحة تشير إلى أن الأسوأ لا يزال قادماً.

(3)
كانت مسألة تعديل الموازنة العامة، وهي قضية لا خلاف حولها من حيث المبدأ، سانحة لأن تحيي الحكومة فريضة المشاورات والحوار المجتمعي على أوسع نطاق، ذلك أنها ليست قضية فنية بحتة، بل سياسية بامتياز ومن شأنها أن تسهم في إدارة نقاش عميق حول التوجهات الاقتصادية وتبني نموذج تنموي سوداني يعالج جذور المشاكل التي استحالت إلى مستديمة بسبب الاستمرار في تجاهلها، وألا يكتفي بالانشغال بأعراضها، والركون إلى وصف مسكنات لا تسهم إلا في تعميقها.

ولكن تبيّن للأسف الشديد أن الحكومة افتقرت لأدنى درجات الالتزام بما ظلت تتعهد به لإدارة حوارات مجتمعية جادة في بحث القضايا العامة، وعمدت على نحو غير مسبوق في الإقدام على إجازة الموازنة العامة دون أي اعتبار لإشراك الرأي العام حول هذه القضية المصيرية.

(4)
أما المثير حقاً في هذه القضية فهو أن قيادة الحكومة لم تتجاهل الرأي العام فحسب وتحرمه من حقه الطبيعي من الاطلاع ومناقشة السياسات الحكومية في ظل حرية قاتل وضحى من أجلها، بل تجاهلت حتى شركاءها في قوى الحرية والتغيير حيث حرمتها من مناقشة بهذه الأهمية الحيوية التي ستترتب عليها عواقب سياسية واجتماعية قد تنسف الفترة الانتقالية برمتها جراء تبعات تبني إجراءات قصيرة النظر دون اعتبار لكلفتها السياسية والاجتماعية. وفعلت الحكومة الأمر نفسه مع مستشاريها الاقتصاديين، إذا لم يحدث أي حوار على هذا الصعيد معهم، بل لم يجدوا حتى فرصة الإصلاح عليها بعد إجازتها من الحكومة قبل عرضها على المجلس الشريعي المؤقت.

(5)
سيبقى كعب أخيل الفترة الانتقالية والتحدي الذي لا يمكن تفاديه هو الاقتصاد، وفي ظل هذا التجاهل للخطر الماحق الذي يمثله، وعدم التعامل معه بما يستحق من جدية وأولوية قصوى، بمثابة قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أية لحظة.

د. خالد التيجاني النور