رأي ومقالات

إستقالة البدوي والتمكين الشيوعي

بدفع د.ابراهيم البدوي للإستقالة من وزارة المالية دخل سودان الثورة عهدا جديدا من عهود سيادة حكم الهتافية والعودة لأزمنة شعارات اليسار المفتون برقصات الهياج علي مسرح اللامعقول .
إن لعن الرأسمالية نهارا وإنتظار دعم منظماتها ليلا أوقع الشيوعيين في تناقض سافر،جعلهم يضعون حافرهم علي حافر اليمين البالي بهتافيته :
ياالامريكان ليكم تدربنا..
ليقدموا بعد ذلك القرابين تلو القرابين فيصير الشعار:
ياالامريكان ليكم تقربنا..!
النهج الشعاراتي الخالي من المضامين نهج قديم متآكل من الداخل لايصمد طويلا ولا أدل عليه من قول احدهم متغزلا في الدكتاتور الراحل النميري:
يافارسنا وياحارسنا..
وبعد مدة غير طويلة صار:
لافارسنا..ولاحارسنا..!
ولو كان غرض المقال استقصاء الشعارات الجوفاء والخرقاء لأجرينا سيل من الأمثلة والشواهد .
نعود لصدر المقال ونقول أن إستقالة البدوي والتي ركب لها الحزب الشيوعي موجة الشارع في 30يونيو ليسهل له الضغط علي السيد رئيس الوزراء عبدالله حمدوك؛هذه الإستقالة سيكون لها جملة من المآلات نلخصها في الآتي:
أولا:
إستقالة البدوي ستكون بداية النهاية لعهد السيد حمدوك؛فبإستغنائه عن البدوي رفيق درب مدرسة الإنفتاح علي المجتمع الدولي أظهر السيد حمدوك إهتزازا واضحا في الثبات علي قناعاته والدفاع عنها وبالتالي إنكشفت حقيقة أن الشخصية الكاريزمية لحمدوك تم تضخيمها تحت تأثير العاطفة الثورية وحالة البحث عن رمز، والنتيجة الحتمية أن حمدوك سيتحول إلي مجرد جسر خشبي يصل بين ثورة ديسمبر والثورة البلشفية الحمراء الجديدة التي لن ترضي إلا بقيادة راديكالية متشددة إضافة لعامل المناطقية المستترة التي تتحكم قياديا في الحزب الشيوعي.
ثانيا:
إتبع البدوي نهجا مرنا تجاه تفكيك وإحتواء المنظومة الاقتصادية للمؤسسة العسكرية ورديفها حميدتي وذلك استصحابا لروح الشراكة التي اقتضتها طبيعة التغيير في ثورة ديسمبر.
احد أسباب الإطاحة بالبدوي هو رغبة الشيوعيين في السيطرة علي وزارة المالية لإدارة حربهم ضد حميدتي والعسكر وذلك بتفكيك ترسانتهم الاقتصادية.
النتيجة المباشرة لذلك حرب مفتوحة مع المكون العسكري والذي بالطبع لن يقف مكتوف الأيدي مما يعني نسف الشراكة وفتح البلاد أمام الخيارات والأجندة الشريرة.
ثالثا:
بعلمه الغزير ونزاهته وإنفتاحه ومواكبته نال د.البدوي إحترام وثقة المؤسسات الدولية والصناديق العربية مماانعكس إيجابا علي مؤتمر شركاء السودان الذي انعقد مؤخرا ببرلين.
بمغادرة البدوي سيجد الشركاء أنفسهم أمام بديل متحنط في نظريات إشتراكية وماركسية انهزمت حتي في عقر دارها.
هذه النغمة الماركسية الإشتراكية المشروخة سيقابلها المجتمع الدولي بصم الآذان وإشاحة الوجوه وغالبا ماتقود لصرف النظر عن الشراكة مع السودان.
رابعا:
لقد حاز البدوي علي رضا الشرائح الضعيفة بحزم الدعم المباشر ونال ثقة الطبقة الوسطي بزيادة الأجور.
أي تراجع او إلتفاف علي هذه القرارات سيضع السواد الأعظم من الشعب في مواجهة مكشوفة مع الحكومة وهذا يعني سحب ثقة الشعب عنها.
خامسا:
المستفيد الأكبر من كل هذه المغامرات ستكون الثورة المضادة والتي أخرس البدوي لسانها بإصلاحاته التي تنشد نجاح حكومة الثورة وبالتالي سد الثغرات أمام الثورة المضادة.
سادسا:
المفارقة المضحكة المبكية أن الشباب الذين خرجوا في مليونية 30يونيو سيكتشفون ان الحزب الشيوعي قد وظف مليونيتهم لأجندة حزبية تتقاطع مع أهدافهم ومطالبهم.
هذا السلوك الإستغفالي ستكون ردة فعله إنفضاض الشباب من حول حكومة الثورة وبحثهم عن حاضنة جديدة لثورتهم.
سابعا:
بالرغم من أن حزب الامة القومي لم يرشح البدوي للوزارة إلا أن الرجل ذو الإنتماء الأصيل للحزب يحظي بمحبة وإحترام طيف واسع جدا من جماهير وكوادر الحزب.
إستقالة البدوي ستقطع شعرة معاوية ما بين الحزب وحكومة حمدوك وهذا ماسيفقد حمدوك دعم فصيل راشد لايستهان به ظل يمثل رمانة ميزان الفترة الانتقالية ويحصنها من التشرذم بنزع فتيلة المواجهة مابين المدنيين والعسكر.
للأسف لانستبعد أن تتسع الهوة وتنتقل لمعركة بين الحزب والحكومة غالبا مايكون مسرحها تعيين الولاة المدنيين.
نختم بالتذكير بأن الحماسة للثورات الوطنية لا تعني بالضرورة القطيعة مع الخارج وشيطنته، وللمهاتما غاندي أبوالسلمية نهجا للمواءمة بين الخصوصية الثقافية والإنفتاح علي الخارج لخصه بقوله:
” أفتح نوافذي لكل رياح العالم ولكن دون أن تقتلعني من جذوري ”

الطيب الكامل