سد النهضة.. اجتماع الوزاري وسط خلافات قانونية كبيرة
فيما تتجه الأنظار، اليوم الثلاثاء، إلى الاجتماع المشترك بين وزراء الري في كل من مصر والسودان وأثيوبيا حول أزمة سد النهضة، يرى مراقبون أن الطريق الوحيد لحل الأزمة يتمثل في التوصل إلى اتفاقيات قانونية وفنية ملزمة تستند إلى القانون الدولي وتحفظ حقوق دولتي المصب مصر والسودان بشكل لا لبس فيه.
وينعقد الاجتماع الوزاري في ظل مشاعر مختلطة ما بين التفاؤل الحذر المبني على التقدم المحرز في الجوانب الفنية بحسب وزير الري السوداني ياسر عباس، الذي قال الاثنين إن الأطراف الثلاثة اتفقت على 95 في المئة منها.
في المقابل لا تزال هنالك عقبات قانونية كبيرة حددها بيان رسمي مصري بالقول إن أثيوبيا تسعى للتوقيع على ورقة غير ملزمة متجاهلة التفاهمات التي تم التوصل إليها خلال عقد كامل من المفاوضات، فيما تقول أديس أبابا إنها تحتفظ بحقها في الاستمرار في استكمال السد والبدء في الملء والتشغيل دون المساس بمصالح مصر والسودان المائية.
وبرزت خلال الجولات الأخيرة خلافات حول إلزامية الاتفاقية، وكيفية تعديلها، وآلية معالجة الخلافات حول تطبيق الاتفاقية، وربط الاتفاقية بقضايا ليست ذات صلة، تتعلق بتقاسم المياه.
مخاوف مشروعة
ويرى مراقبون أن الجمود الذي صاحب المفاوضات الحالية حول سد النهضة، الذي يجري بناؤه بتكلفة تقدر بنحو 5 مليارات دولار في منطقة تبعد نحو 20 كيلومترا من الحدود الإثيوبية السودانية، تسنده مخاوف مشروعة من دولتي المصب، مصر والسودان، مقابل إصرار أثيوبيا على المضي قدما في خطة ملء البحيرة بعد انسحابها المفاجئ من اتفاق تم التوصل إليه في واشنطن في فبراير الماضي ووافقت عليه كل من السودان ومصر.
تأثيرات محتملة
فيما تركز مخاوف الخبراء والمراقبين في دولتي المصب على عدة جوانب أبرزها احتمال التأثير السلبي على الحصص المائية والتسبب في أضرار بيئية ومخاوف من انهيارات وفيضانات محتملة، تقول إثيوبيا إن مشروع سد النهضة لا يسبب أي أضرار للآخرين وأنه يشكل مشروعا للنهضة الاقتصادية والزراعية.
وتشير أديس أبابا إلى أن المشروع يسهم في تعزيز التعاون الكهربائي مع السودان وتخفيض الطمى بالنسبة لسدوده، وانتظام تصريف مياه النيل الأزرق، الذي يمدها بحصتها من المياه.
وترتبط المخاوف الجيولوجية بطبيعة جغرافية منطقة السد التي تقع على ارتفاع 500 متر فوق سطح البحر وتتكون من براكين وصخور متحولة وتعاني من تشققات يتوقع أن تسهم في زيادة فقدان المياه وتقلل نسبة الأمان.
وتكمن أهمية النيل الأزرق الذي يقام عليه السد في أنه يزود نهر النيل بنحو 60 في المئة من مياهه، أي أكثر من 50 مليار متر مكعب سنويا.
ويربط الخبراء بين كل هذه المعطيات والآثار التي يمكن أن تترتب على السودان ومصر، والجوانب الفنية التي يمكن أن تقلل من المخاوف خصوصا تلك المرتبطة بفترة ملء بحيرة السد.
وفي جولات سابقة اقترحت الخرطوم والقاهرة آليات تتضمن ملء السد خلال 7 سنوات، لكن إثيوبيا تقول إن إطالة أمد سنوات الملء سيفقد السد مزاياه الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يدفعها لإكمال عملية الملء في مدة لا تزيد على 5 سنوات.
مشكلات فنية
يرى عبد الكبير آدم، أحد أبرز الخبراء السودانيين في مجال الري والسدود، ضرورة أن تستند أي اتفاقية نهائية حول السد إلى مبادئ القانون الدولي والتنسيق في كافة الجوانب المتعلقة بالتشغيل وتبادل المعلومات وهو ما يستدعي إنشاء إدارة مشتركة للمشروع.
ويقول آدم إنه من الناحية الفنية يجب على أثيوبيا أن تحتكم للمقترح الذي تقدم به السودان والذي ينص على تمديد فترة ملء بحيرة الخزان إلى 7 سنوات بدلا من الخطة الأثيوبية الحالية والتي تركز على مدة زمنية تقل عن 5 أعوام وهو ما يثير مخاوف كبيرة في دولتي المصب اللتين تريان أن ذلك قد يهدد حصتيهما (55 مليارا لمصر و 18 مليارا للسودان) وقد يتسبب في مخاوف من حدوث انهيارات وفيضانات قد تغرق مدنا بأكملها إضافة إلى الأضرار البيئية.
ويشير آدم إلى أنه في حال مضي أثيوبيا في خطة الملء السريع (5 سنوات) للسد، فإن من شأن ذلك أن يتسبب في مشكلات كبيرة بالنسبة للسودان وسيؤدي إلى أضرار خصوصا فيما يتعلق بمناسيب مياه خزان الروصيرص الذي يبعد نحو 100 كيلومتر عن موقع الخزان الإثيوبية.
ويرى آدم أن جزءا كبيرا من مخاوف السودان ومصر مبررة في ظل المخاطر الكبيرة التي يمكن أن تنجم عن عمليات التشغيل.
نصوص واضحة
يؤكد الكاتب الصحفي المصري ورئيس تحرير جريدة الشروق، عماد الدين حسين، مشروعية المخاوف القانونية والفنية المصرية في ظل حقيقة أن أكثر من 90 في المئة من المياه المصرية تأتي من النيل.
وقال حسين الذي كان يتحدث لـ”سكاي نيوز عربية” من القاهرة عبر الهاتف، إن الحصة الحالية التي تحصل عليها مصر من مياه النيل والمقدرة بنحو 55 مليار متر مكعب سنويا تكاد لا تشكل سوى نسبة ضئيلة جدا من حجم المياه المتدفقة على الهضبة الأثيوبية والتي تبلغ نحو 1000 مليار متر مكعب سنويا.
ويشير حسين إلى أن حصة مصر من مياه النيل ظلت على حالها منذ أن كان سكان البلاد نحو 18 مليون نسمة في حين تقدر الاحتياجات الحالية بنحو 115 مليار متر مكعب نظرا لارتفاع عدد السكان إلى ما يزيد على 100 مليون نسمة.
ويشدد حسين على ضرورة اقتناع الجانب الأثيوبي بالتوصل إلى حلول تستند إلى القانون الدولي الذي يحرص على عدم الإضرار بمصالح الغير.
ويؤكد أن أمام مصر العديد من الخيارات القانونية التي تتيح لها الحفاظ على حقوقها المائية والتي تشكل مسألة حياة أو موت للمصريين.
ويقول حسين في هذا الإطار إن هناك العديد من الاتفاقيات الموقعة التي يمكن من خلالها حسم الكثير من الجدل كاتفاقيتي 1902 و1929 اللتين تعطيان كلاً من مصر والسودان، باعتبارهما دولتي المصب، الحق في الاعتراض على أي خطوات أو مشروعات قد تسبب أضرارا لمصلحتيهما، إضافة إلى اتفاق المبادئ الموقع في 2015 والذي يتضمن نصوصا واضحة تمنع أي خطوة من شأنها التسبب في أضرار سواء كان من حيث حصص المياه أو الأضرار البيئية والفنية الأخرى، انطلاقا من مبدا عدم الإضرار بالحقوق المائية التي تعتبر واحدة من أهم حقوق الحياة.
وضع معقد
تعثرت المفاوضات كثيرا خلال الجولات السابقة في ظل المخاوف التي أثارتها دولتي المصب السودان ومصر والمتعلقة بالتأثيرات المحتملة على حصص المياه والجوانب البيئية والأخرى المتعلقة بأمن السكان والتي قد تنجم عن الانهيارات والفيضانات وغيرها من المخاوف البيئية الأخرى.
وفي الجانب الآخر تعول أثيوبيا كثيرا على هذا السد الذي يتوقع أن يكون عند اكتماله أكبر سد كهرومائي في القارة الأفريقية بطاقة توليد تصل إلى 6 آلاف ميغاوات.
سكاي نيوز