الشريك الافتراضي
حتى الآن لم تتعامل الحكومة بمؤسساتها المختلفة مع جائحة فايروس كورونا المستجد بالمستوى المطلوب، ولا زال الشارع يتعامل مع الجائحة بنظرية المؤامرة، إلا من رحم ربي، وهي ذات عقلية أصحاب الأجندة من عضوية الحزب البائد والمنتفعين منه والتي تعمل على تعبئة البسطاء بتبسيط الأمر وترسيخ الفكرة اللئيمة بعدم وجود وباء من الأساس وأنها مجرد وسيلة من حكومة الثورة لوقف تحركات إسقاط حكومة حمدوك.
يطالبون المواطنين بعدم التقيد بقرارات السلطات الصحية، ويجففون الصيدليات من إحتياجات المرضى، ويجعلون البحث عن حقنة ملاريا، أصعب من الوصول لكوكب المريخ، والسلطات الأمنية تعي ذلك وتكتفي بالصمت. فوضى في الشوارع ليل نهار، وعدم التزام بقرارات كان من الممكن أن تخفف من حدة انتشار المرض، والسلطات الأمنية تنشط على الشوارع الرئيسية فقط ودون التدقيق في حمل التصاريح من عدمه، بينما تترك الحبل على قارب الأحياء الشعبية، فالحياة تسير فيها بشكل اعتيادي، وكأنما لم يسمع أحد بالوباء، استمرار قعدات الشاي والكوتشينة وونسات مابعد الإفطار، والجلوس على بروش الإفطار الجماعي، ولا حرج في وجود نظاميين بها لمنحها بعض الشرعية.
يصرون ويجبرون المواطنين على آداء صلاة الجماعة، تحديا لقرارات الحكومة في الوقت الذي منعت فيه صلاة الجماعة في الحرمين الشريفين، ورغم صدور فتاوى من أبرز علماء الدين. السلطات الصحية تصدر القرارات، والسلطات الأمنية تتفرج على تحديها من قبل المواطنين ولم يتبق لها سوى إخراج لسانها سخرية من قرارات السلطات الصحية، وإعلانها التمرد.
الفوضى التي شهدتها الأسواق في ظل حكومة حمدوك، لم تشهدها حكومة المخلوع بكل طغيانها وفسادها، لأن السلطات الأمنية كانت تشكل ترسانة دفاعية قوية لحماية حكومتها من السقوط، حسمت فوضى الأسعار إلى حد كبير، وحسمت تحركات الشارع الثائر المطالب بحقوقه المهضومة لدرجة الضرب والقتل لسنوات، بينما أصبحت حملا وديعا أمام تفلتات كوادرالنظام الساقط.
انفجار الأوضاع بأكثر من 7 ولايات بالسودان في توقيت واحد، يشير إلى نذر حرب أهلية وقبلية مع اقتراب موعد وصول البعثة الأممية لحفظ السلام، الارواح التي أزهقت والإصابات التي وصل بعضها للعاهة المستديمة في تلك الأحداث تتحمل مسئوليتها السلطات الأمنية بلا إستثناء، ويشارك فيها رئيس الحكومة الذي لم يكلف نفسها بالسفر إلى مناطق النزاعات والوقوف بنفسه على ما يحدث بها، ومخاطبة الإدارات الأهلية ومطالبتها بضبط النفس لأطراف الصراع، وهو الموقف المتوقع والمطلوب ممن هو في موقعه في مثل هذه الظروف، ولكنه إكتفى بإصدار بيان فقير. لم يعلن فيه تقاصر أدوار القوات النظامية عن حسم هذه التفلتات أو حتى مطالبته بإقالة مدير عام الشرطة أو وزيرا الداخلية والدفاع، ولن نقول إلتزامه بإقالتهم كما يحدث في الحكومات المحترمة.
الجميع شركاء فيما يحدث من فوضى، بدءا من التهاون منذ البداية بعدم إبعاد الكوادر المؤثرة من النظام السابق بجميع مؤسسات الدولة، وإنتهاءا بالصمت على تجاوزات المكون العسكري (الشريك الإفتراضي)، بتهاون القوات النظامية في كل ما يحدث داخل الدولة، وكأن ما يحدث مرتب له بعناية فائقة لغرض معلوم سلفا.
ختاما نقول ان التماهي مع الفوضى والتراخي أمام صانعيها من قبل المكون العسكري بأجسامه المختلفة، لا معنى له سوى أنه قابل وراضٍ عما يقوم به الفلول، ولن أقول أنه شريك أصيل في كل ما يحدث.
هنادي الصديق
الجريدة