القراي في مرمى النيران
مرة أخرى يقع الدكتور المثير للجدل عمر القراي في مرمى نيران المحافظين من السودانيين ويتعرض لحملة قوية من أجل إبعاده عن إدارة المناهج في حكومة الثورة ، صحيح أن هناك اتهام بأن الحملة خلفها كيزان وقد يكون ، الا ان ذلك لا يشكك في انها حملة يدعمها ثوار لا شبهة فيهم ولا يمكن ( خمهم )، وهذا تطور يجب أن ينتبه له القراي ويتعامل معه بجدية ، فثوار الحملة يعبرون عن رؤيتهم تجاه منهجه وفكره ، ويعترضون بطرق سلمية وحضارية هي من ضمن الحقوق التي ثاروا وضحوا لاستعادتها ، الحق في التعبير والرفض والمطالبة .
ما يؤخذ على الدكتور القراي انه كثير التصريحات ، وله سقطات في تاريخه كمتحدث بإسم الحزب الجمهوري ، وهو حزب يحمل أفكارا غير مستساغة لعدد ضخم من أبناء الشعب السوداني ، أفكار معقدة ومربكة وتمس ما تراه الأكثرية ثوابت لديها ، وهي افكار من نوعية الأفكار التي تحتاج لحوار فكري وهو ما لا تجيده العامة .
عند تعيين القراي اعترض حزب الأمة القومي بشكل رسمي داخل قوى الحرية والتغيير على هذا التعيين ، بسبب موقف القراي من الثورة المهدية ، والتي تمثل ثورة خالدة من ثورات شعب السودان ، ومحطة تاريخية ناصعة من سفر المجد في بلادنا . اعتراض الأمة القومي مع حملة اليوم يثيران الغبار حول ان الرجل معترضا عليه في الدين وفي التاريخ ، وكلاهما يمثلان نقاط شديدة الخصوصية والحساسية في المناهج . فالاختلاف بالتاكيد ليس حول مادة الرياضيات ولا حول حول الجغرافيا ، وإنما حول الروح الوطنية والتربوية التي تستند عليها روح المناهج في تنشئة الأجيال وفي نظرتها نحو تاريخ أمتها ونحو ثقافتها المجتمعية والدينية .
وضع المناهج ليس عملا فرديا وإنما جهد علمي يشارك فيه طيف واسع من الأكاديميين ، وبما أن المناهج تعرضت لتشويه متعمد ومنفرد من قبل جماعة الإسلام السياسي ، فإن عملية إعادة صياغتها لا يمكن ان تتم بصورة فردية مشابهة ، وانما تحتاج مشاركة كل المتخصصين من كافة اطياف المجتمع السوداني ، حتى تراعي المناهج التعدد الثقافي والديني والعرقي في السودان . صحيح هناك غلبة للثقافة الإسلامية بمنطق الغالبية السكانية المسلمة بالسودان ، وهذا يفترض بالضرورة أن تكون هي السمة الغالبة في المناهج ولكن بكل حال لا يمكن أن يكون في هذه الغلبة هيمنة وسيطرة وإقصاء للثقافات والاديان الأخرى .
الدكتور القراي مطالب في ظل هذه الحملة المشككة بالمبادرة بخطوة تعيد المناهج إلى صفتها الطبيعية سفرا محملا بثقافة وتاريخ المجتمع وأداة للتطور والوعي ، وأفضل وسيلة لتحقيق ذلك هي التخطيط والدعوة لمؤتمر قومي للمناهج ، يشارك فيه المتخصصين الذين سيمثلون بلا شك كل الأطياف المعترضة على القراي او المتفقة معه ، هدف هذا المؤتمر هو ارسال الرسائل للجميع بأن الفكر الذي يحمله القراي لن يكون مرجعا في وضع المناهج ولا ركيزة منهجية، وأن الحوار حول المناهج سيكون علميا وأكاديميا بين كافة المختصين وصولا إلى مناهج تلبي تطلعات الشعب والثورة وتنقل البلاد نحو المستقبل .
اذا لم يذهب القراي خطوة حقيقية نحو تطمين خواطر الجماهير بالمؤتمر القومي للمناهج او أي فكرة أخرى ذات طابع قومي ، فلا اتوقع ان تنتهي هذه الحملة ، بل ستواصل الصعود ، وقد تصبح معركة استقطاب تهدد سلام واستقرار الفترة الانتقالية ، فشباب هذه الحملة ( عكاليت ) و ( رأسهم ناشف ) ولا يكتفون من الغنيمة بالاياب .
يوسف السندي
الراكوبة