لي متين ؟؟
كلما اطل عيد للمرأة او الام ..تقفز الى ذاكرتي قصة قديمة حكتها لي الوالدة رحمها الله ..القصة حدثت قبل غرق حلفا ..حين كان الحلفاويون يسكنون دغيم وما جاورها من جزر صغيرة ..كانت على السيدة محور قصتنا هي وابنتها عبور النيل بالمركب كل عدة أشهر وذلك لاستئناف قضية احوال شخصية رفعتها الابنة ضد زوجها الذي سافر ولم يعد ..غاب و ما ( جاب ) ..وكان على الابنة التي تركها حبلى في طفلها الاول ..معاناة الولادة والتربية وفوق هذا وذاك متابعة القضية التي لم تظهر لها نهاية ..كانت النساء يتابعن رحلتها الى دغيم بعين الشفقة ..وينتظرنها في ( القيف ) كل مرة عسى ولعل ان تعود بنبا يشفي القلوب التي في الصدور ..لكن خيبة الامل كانت تفرخ اليأس مرة بعد اخرى ..حتى كانت آخر مرة ..والمفترض ان يحكم القاضي بالطلاق للغيبة والضرر ..اذا بالزوج يظهر فجاة و يعتذر للقاضي ويقسم بانه سيقوم بواجباته كاملة ..وسيحاول جهده ان يعوضها غياب السنين …
كدا بس ..تحت شعار (لو ترجع تعاود.. نسامحك يا حبيبنا) ..المهم كانت السيدات ينتظرنها في الجزيرة ..في عهد لم يكن التلفون موجود دعك من الموبايل ….ظهرت اشرعة المركب من على البعد ..تاهبت النساء للخبر السعيد ..وكانت كل واحدة من هن قد احضرت من بيتها ما تستطيعه من (فنتي واسلي ) .. تمر وفشار ..ما ان انزلت الام قدمها خارج المركب حتى عاجلتها النساء المنتظرات (الى هجلة ..قاضي منقا ايقو؟ ) .يا هجلة ماذا قال القاضي ؟..فردت هجلة بذلك الذي صار مثلا (قاضي منقا هيقي ..قاضي لي ادا ..وحسن قون ادا ..الو من قانونقا فايو قون ادا) ..وتعني ..ماذا تنتظر من القاضي؟ ..ان كان القاضي ذكر ..وحسن زوج ابنتي ذكر ..وذلك الذي كتب القانون ايضا ذكر..انتهى حديثها ..وقديما قيل ..الفي ايدو القلم ما بكتب روحه شقي.
صورة المراة المقتولة والتي تم تداولها بكثافة ..وكلمات الحسرة والشفقة وبعض اللعنات التي طالت زوجها الغاضب ..ربما تساءل احدهم هل كان الامر يستحق؟ ( فيهو الخير برضو ) .. لكن ليس هذا هو موضع التساؤل ..السؤال الحق (لي متين ؟ ) ..وبالفصحى حتى متى ؟ حتى متى تظل جرائم العنف المنزلي تحدث تحت بصروسمع الجميع ..ويعزيها الناس الى عصبية الزوج ..او نكدية الزوجة ؟؟ حتى متى يستطيع اي رجل ..ضرب امرأته او ابنته او اخته ضربا مبرحا يفضي الى الموت ويتم التستر على الجريمة بحجة مداراة الامر؟ ..ومافي داعي يا ناس وباركوها ؟ قصص كثيرة تأتي الى ذهني ..مثل ذلك الشاب الذي ضرب ابنة عمه ضربا مبرحا مسببا لها عاهة مستديمة لانه وجد رسائلا في هاتفها الجوال ..هل نال عقابا؟ طبعا لا ..لماذا ؟ ببساطة لان اهل الفتاة لم يتقدموا بشكوى ضده ..بمعنى ان الدولة لن تستطيع ملاحقته ..الامر ببساطة انه يمكن لاي رجل ضرب أي أمراة ..في أي مكان وزمان ..واغلب الظن انها لن تذهب لتشتكيه خوفا من الفضيحة ..او حتى تكاسلا من كثرة الأجراءات وعقمها ..والنتيجة ..استعلاء ذكوري بامتياز ..شفتوا كيف؟
يا ناس القانون ..واصحاب الرأي في الامور الفقهية ..هل يوجد حق عام في جرائم العنف المنزلي ؟ بمعنى هل تستطيع الدولة القاء القبض على من يمارس العنف المنزلي ومحاكمته وفقا لقوانين تجرم هذا السلوك حتى ولو لم تقوم جهة ما بمقاضاته؟ هل ولا ما هل ؟ ..ذلك ان اغلب جرائم العنف المنزلي يتم تغطيتها و(دسدستها) بل ربما جرى تكريم من فعل ذلك بحجة انه (حامي الحمى ..وتور الخلا والخايف على بنات فريقه) ..رغم ان تلك الموروثات لم تعني بأي حال من الاحوال اطلاق يد الرجل دون قيد او شرط ..لكنها كانت تحمل كل معاني الانسانية والرحمة والرأفة بالنساء والاطفال والضعفاء …وكان لكل أسرة كبير يتم الرجوع اليه في حالة خطأ احدهم ..او الشكوى من تصرف لم ينال الرضا من قبل آخر ..لكن الذي يحدث الآن هو الفوضى بعينها ..وهو الامر الذي يدعونا الى المطالبة بالحق العام في جرائم العنف المنزلي.
بمعنى تجب محاكمة كل من ثبت ارتكابه جريمة عنف منزلي او الاشتباه في تكرار اعتدائه على نساء بيته .. ..حتى ولو اسقطت الاسرة الشكوى ..لابد من وجود حق عام للدولة …حق يقتص للمواطن الذي يتعرض للعنف ايا كانت عمره ..لا يمكن ان يطلق الامر هكذا ويترك لتقدير احدهم .. فالضحية انسان كامل الاهلية لا يجوز التعدي عليه باي حال من الاحوال ..نحن نعيش في دولة وليس غابة ….لذلك يا بيدهم الريموت ..لو هناك قانون حق عام في العنف المنزلي وجرائم الأسرة ..فعلوه وانزلوه حيز التطبيق ..ولو لم يكن موجودا ..بالله يا جماعات الدفاع عن المرأة وحقوقها ..(خلوا الجيش والمماليك ) وتفرغوا لصياغة قانون يحمي النساء الصامتات في قعور البيوت .
لي متين يا جماعة ؟ لي متين ؟ ..وبعد دا كلو يجوا يقولوا ليك عيد المرأة وعيد الأم وايه مش عارف ايه.. …انما أشكو بثي وحزني الى الله.
خليك في البيت ..ألزم دارك وافقد جارك
ناهد قرناص
الجريدة