الشيوعي: مراجعة أم ضرورة تكتيكية
هناك حقائق لابد من الإقرار بها؛ أن معارضة عناصر النظام السابق للثورة و إجراءتها لن تتوقف، و هؤلاء يحاولون الدفاع عن مصالحهم الخاصة التي ضاعت بسبب التغيير الذي حدث في الدولة، الإنقاذ قد سقطت، و لن تعود مرة آخرى لأنها سقطت بثورة شعبية كاملة الدسم، و هي ثورة شاملة شارك فيها أغلبية الشعب السوداني بهدف التغيير الشامل، و التحول من نظام الحزب الواحد إلي التعددية السياسية، و مفهوم التعددية ليس مصطلحا متفق عليه، فكل قوى سياسية لها رؤيتها حسب مرجعيتها الفكرية، و هناك قوى سياسية شاركت في الثورة، أن كانت في قحت أو خارجها، و أن مرجعياتهم الفكرية تؤكد ليس لهم أية علاقة بالديمقراطية، و الخلاف في المرجعيات يؤكد أختلاف الرؤى و الخطاب في الساحة السياسية. و الخلاف نفسه إذا أحسن إدارته يشكل أرضية خصبة لإنتاج الثقافة الديمقراطية، لأنه ينطلق من مفهوم أحترام الرأي الأخر، و أيضا يبين المواعين التي يجب أن يتم داخلها حوار الخلاف في الرؤى.
هناك إشكالية كبيرة داخل الأحزاب تؤثر سلبا علي مسار عملية التحول الديمقراطي، خاصة من بعض القيادات السياسية التي تتعجل بالتصريحات، و لا تنتظر أحزابها أن تجتمع و تتدارس في الحدث أو القضية المطروحة، و تخرج برؤية تعكس وجهة نظر الحزب، و معلوم أن الديمقراطية تشيد علي المؤسسية. و هذا التعجل في التصريحات يجعل الأحزاب تبذل مجهودا كبيرا لكي تمحو أثر هذه التصريحات. و التعجل في التصريحات تشير إلي أن الثقافة الشمولية التي خلفها نظام الإنقاذ الشمولي، و ما تزال مؤثر علي خطاب العديد من القيادات، و إزالتها تحتاج إلي فترة زمنية طويلة، حتى ينتج النظام الديمقراطي ثقافته التي تنداح و تفرض ذاتها في الساحة السياسية.
نتاج ما أشرت إليه كان البيان الذي أصدره الحزب الشيوعي و نشر في عدد من “الصحف الورقية و الالكترونية” “دعا فيه، حزب الأمة القومي، إلى مراجعة قراره بتجميد نشاطه في قوى الحرية والتغيير. وحذر الحزب في بيانه من مغبة انقسام قوى الثورة، تفاديا لمساعدة أعداء الثورة من فلول النظام السابق، وتعريض مكاسب الثورة للخطر. وأوضح أن تصحيح أداء الحكومة المدنية والمثابرة في تنفيذ إعلان الحرية والتغيير والمساهمة بجد في الارتقاء والالتزام بما جاء في المصفوفة، يساعد كثيرا في تدعيم النضال من أجل سلطة مدنية كاملة بالتصدي للمهام الأساسية في تدعيم الممارسة الديمقراطية عبر تعيين الولاة من قبل الاقاليم، وتكوين المجلس التشريعي والعودة إلى حوار جاد حول قضايا السلام العادل والشامل، وتحقيق العدالة للشهداء، ومراجعة السياسة الاقتصادية.”
بيان الحزب الشيوعي يرسل رسالة هادئة لحزب الأمة، و هي رسالة لا تطالب حزب الأمة بمراجعة موقفه بل تقدم رؤية الحزب في كيفية تجاوز الخلافات للعبور للمرحلة القادمة، هذا البيان يختلف تماما في رسالته من تصريح كمال كرار القيادي بالحزب الشيوعي لجريدة ” الجريدة” الذي قال فيه ” أن حزب الأمة هو الخاسر من موقفه خاصة في ظل الشائعات المتداولة حول أن حزب الأمة يطالب بنصيب أكبر في مناصب ولاة الولايات، و أن موقفه هذا هو محاولة للضغط في هذا الاتجاه” و هنا فارق كبير في اللغة و تناول الموضوع.
فبيان الحزب الشيوعي يميل للموضوعية و النفس الهاديء، بهدف أن يجعل هناك خطوط للتواصل بين مكونات التحالف لانجاز مهمة الفترة الانتقالية بسلام، بعيدا عن لغة التصعيد في ظرف يحتاج إلي الحوار الهادئ بعيدا عن التشنجات. التي تهدف إلي الإثارة و الدغمائية. و في ذات الوقت يطرح الشيوعي عدد من القضايا في البيان يعتقد تحتاج إلي حوار منطقي و موضوعي، و هي ” تصحيح مسار مفاوضات السلام – تنفيذ ما أشارت إليه المصفوفة – أختيار ولاة الأقاليم بشكل ديمقراطي من داخل الأقاليم – تكوين المجلس التشريعي – تصحيح أداء الحكومة و معالجة الأزمة الاقتصادية و تحقيق العدالة للشهداء” و هنا يؤكد الحزب الشيوعي هناك بالفعل إشكاليات تحتاج إلي معالجات و تصحيح. و هي قضايا لابد أن توضع علي مائدة التفاوض بين القوى السياسية. لكن لا تسمع ردود فعل سلبية تجاه بيان الحزب الشيوعي، لماذا عندما تثار نفس القضايا من قبل قوى أخرى لا ينظر إليها بموضوعية، و يتعجل الناس بردود الفعل العنيفة. هذا الهياج يعكس حقيقة أننا نحتاج لفترة طويلة لكي نرسخ عرى الديمقراطية في المجتمع. و هي مسؤولية الأحزاب السياسية.
ينتقل الحزب الشيوعي لنقطة أكثر أهمية، و يحاول أن يطرحها علي طاولة الحوار أيضا يهدوء كامل عندما يدعو في بيانه ” كافة القوى السياسية الوطنية والديمقراطية داخل وخارج قوى الحرية والتغيير، للالتفاف حول المبادئ الأساسية للحراك الجماهيري والوحدة للنضال من أجل إكمال فترة الانتقال بنجاح.” و كان من قبل أعترفت بها كل القوى في قوى الحرية و التغيير، عندما أعطتها 33% من مقاعد المجلس التشريعي. هنا يؤكد الحزب الشيوعي أن هناك قوى وطنية و ديمقراطية خارج تحالف قوى الحرية و التغيير. يصبح السؤال المهم لماذا ترفض قحت أن يشارك هؤلاء في عملية تأسيس الدولة الديمقراطية؟ خاصة أن الديمقراطية تحتاج لقاعدة اجتماعية واسعة لكي تؤمن مسار عملية التحول الديمقراطي، و تضيق الخناق علي الذين يريدون التأمر علي النظام الجديد. كان من المفترض علي الإعلام الحكومي أن يلعب دورا كبيرا في ذلك، لكن الإعلام حتى الآن ينتابه التوجس من الإقدام علي فتح المنافذ و الأبواب لكي تمر التيارات الديمقراطية. إذا نظرنا للحوار الذي يديره مدير الهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون أحمد لقمان بعنوان ” الحوار الوطني” هو يستضيف جانبا واحدا فقط من المشهد السياسي، مثل عناصر من السلطة التنفيذية و قيادات قحت، رغم أن الحوار هو بين القوى المختلفة، مما يؤكد أننا ما نزال نقف عند عتبة النظام الشمولي و نتوجس من أن نخطو خطوة تجاه الديمقراطية. فالحوار هو الأداة الأكثر تأثيرا في جعل البعض الابتعاد عن العنف، و هو الذي يوصل للوفاق الوطني المطلوب. و لكن لقمان يحتاج إلي قرار من السلطة التنفيذية لكي يكمل حواره، مما يؤكد أن الأقدام يحتاج بالفعل عناصر تؤمن أيمان قاطع بقضية التحول الديمقراطي. و نسأل الله حسن البصيرة.
زين العابدين صالح عبد الرحمن
الراكوبة