رأي ومقالات

موانئ دبي في السودان

معركة طاحنة دارت في ردهات الكونغرس الأميركي و دهاليزها بسبب صفقة موانئ دبي لإدارة 6 موانئ أمريكية كبيرة من بينها ميناء نيويورك . و 16 ميناء فرعي آخر …
اضطر مجلس الشيوخ إلى ربط شركة الإمارات بالإرهاب بعد دحض فرية السيادة الوطنية . لأن هذه الموانئ اصلا كانت تدار بواسطة شركة الموانئ البريطانية و التي اشترتها موانئ دبي في صفقة وصلت إلى 7 مليار دولار في العام 2006 .. و التي مكنت دبي من 51 ميناء في أوروبا و الأمريكتين ..
في العام 2007 و تحت ضغوط الكونغرس و المجالس النيابية للولايات الست أضطرت موانئ دبي للتنازل عن حصتها في موانئ امريكا لصالح شركة بورتس امريكا ، و أسدلت الستار على هذه المعركة بقول حاكم دبي : لقد تنازلنا عن حصتنا للحفاظ على الصداقة التي تربط بين دبي و واشنطن !! ..
تأسست شركة موانئ دبي في العام 99 ، و تطورت بسرعة شديدة ، و أصبحت الآن تدير أكثر من 80 ميناء حول العالم …
تدير أكبر محطة تخزين في العالم في هونج كونج ، في مساحة 6 مليون متر مربع و تتكون محطة التخزين من 13 طابق على ارتفاع 100 متر فوق سطح البحر، و يسمح المبنى بمرور الشاحنات إلى طوابقها العليا حتى الطابق الثالث عشر بكل سهولة ، و تستقبل أو ترسل البضاعة من و إلى كل أنحاء العالم .
و في الصين تصل طاقتها في الموانئ التي تديرها إلى 18 مليون حاوية سنويا ، و تدير أضخم محطة في العالم لمناولة السيارات بجنوب فيتنام ، و طاقتها الاستيعابية في موانئ كوريا الجنوبية تصل ال 6 مليون حاوية و كذلك موانيها في ماليزيا و الفلبين و غيرها من الدول .
تعتبر أسيا أهم منطقة بالنسبة لموانئ دبي و هي تستوعب 25 محطة من محطات طريق الحرير الذي يربط بين آسيا و اوروبا من جملة المحطات التي تبلغ 80 محطة بما يعادل الثلث …
حجم أعمال مناولة مونئ دبي لا تقل عن 30 مليون حاوية في شرق آسيا فقط …
هذه المقدمة ضرورية لقراءة الجدل الدائر هذه الأيام حول بيع أو ايجار ميناء السودان الرئيسي لصالح شركة موانئ دبي . الخطوة مهمة و مجدية في تطوير الموانئ السودانية لو أن الشروط مجزية و تساوي الموقع الاستراتيجي لميناء بورتسودان . و أن تم ذلك بعد دراسة عميقة للعقد من قبل وزارة العدل . و هذا الأمر يحتاج لبرلمان فاعل حتى يستطيع البت فيه بعدالة تراعي المصلحة العلياء للبلاد . لأن الكونجرس الأمريكي استطاع أن يلغي العقد بالرغم من موافقة وزارة العدل و مراجعتها لكل بنود الاتفاق . و كذلك دعمه من الرئيس الأسبق كارتر .. !!
معظم العقودات التي أبرمتها شركة موانئ دبي مع دول شرق آسيا تتراوح فتراتها بين 30 إلى 35 سنة ما عدا موانئ فيتنام فتصل مدة العقودات إلى 55 عاما ..
تحديد الفترة عادة يرتبط بالمبلغ الذي تدفعه الشركة و ببنود التطوير التي تلتزم بها من خلال العقد . فحجم المناولة في ميناء بورتسودان الذي لا يتجاوز ال مليون و نصف حاوية سنويا ، يعتبر بائس جدا بالمقارنة بموقعه الاستراتيجي .
في ظل إدارة شركة عالمية مثل موانئ دبي يمكن أن يصل حجم المناولة إلى أكثر من 10 مليون حاوية خلال عشر سنوات اذا تم تضمين خط سكة حديد بورتسودان اكرا ضمن بنود العقد . فبناء مثل هذا الخط سيجعل الكثير من دول غرب إفريقيا تتحول لنقل بضائعها عن طريق بورتسودان … و بالتأكيد ستحدث طفرة اقتصادية على امتداد خط السكة من أقصى شرق السودان إلى أقصى غربه …
يجب ألا يتم النظر إلى ايجار الميناء بنظرة سطحية بعيدا عن الأرقام و الحقائق الاقتصادية و المصالح السياسية ، ولا بصورة عاطفية مشحونة بالعداء تجاه الإمارات . إنما يجب أن يكون ذلك وفق دراسة دقيقة تشترك فيها كافة الجهات و المؤسسات ذات الصلة . و هنا يأتي الدور الحاسم للبرلمان …
توقيع مثل هذا العقد في غياب البرلمان يعتبر كارثة بكل المقاييس . و يجب أن تنتبه دولة الإمارات إلى هذا الأمر و انتظار البرلمان ليكون مسئولا عن مراجعة و دراسة بنود العقد …
نتمنى أن تكون الأخبار التي تتحدث عن توقيع العقد كاذبة ، و أي توقيع يتم بدون برلمان يعتبر باطل و ستتضرر العلاقات السودانية الإماراتية . إلا أن كان حاكم دبي غير مهتم بصداقته مع الخرطوم كاهتمامه بصداقته مع واشنطن …
سالم الأمين بشير
أبريل 2020