مقالات متنوعة

مبتور الرأس والأطراف

ليس غريبا على حزب الأمة بقيادة الإمام الصادق المهدي ونائبته مريم المنصورة، إتخاذ مثل هذا الموقف السياسي ولن أقول الإبتزازي، بإعلانه تجميد عضويته في كافة هياكل قوى الحرية والتغيير ولجانه، وإصدار بيان بهذا الخصوص يشير فيه إلى تقديم الحزب ورقة إصلاحية للوضع الحالي لمركزية الحرية والتغيير، داعية فيها لمؤتمر تأسيسي للشركاء بالتغيير، ومنحهم مدة إسبوعين بحسب زعمهم، قبل إتخاذ موقف يستوجب العمل من أجل تحقيق التطوير والإصلاح المنشود مع كافة الجهات الوطنية من قوى التغيير والحكومة التنفيذية والمجلس السيادي بشقيه المدني والعسكري.
حزب الأمة ممثلا في رئيسه ونائبته أصبحا مثار شكك الشارع السوداني منذ مدة ليست بالقصيرة، ووضح ذلك من بداية حراك ثورة ديسمبر، من خلال مواقف زعيم الحزب المتذبذبة والمتأرجحة ووقوفه في المنطقة الوسطى بين جنة المؤتمر الوطني وقتها، ونار الشارع التي لم تكن جذوتها قد اشتعلت بعد.
وعقب وضوح الرؤية وإتساع رقعة التظاهرات وسيطرة الشارع، تبدلت المواقفة، وسعى الإمام للحاق بركب الثورة رغم أن شباب حزبه قد سبقه إليها بعد أن ملأهم الموقف الرمادي إحباطا وخجلا. الشارع لم ينسى بعد التصريحات ال(مشاترة) للإمام حينها، ولا زيارات مريم المنصورة السرية (لأبوظبي) وما ترتب عليها.
الوضع الآن بات أكثر وضوحا، الإمارات التي وعدت بدعم الحكومة السودانية بمبلغ 3 مليار دولار وقتها، واوفت حتى الآن فقط بنصف المبلغ، هي نفسها الإمارات التي تطالب عبر مناديبها بالسودان بضرورة قيام المؤتمر الاقتصادي والذي سيكون (تحت رعايتها واشرافها المباشر)، ولن نتجاوز شروطها بأن يكون على رأس اللجنة الاقتصادية محمد حمدان دقلو(حميدتي) ومقررا لها المنصورة مريم، وعند اعتراض عدد من القوى السياسية جميعنا يذكر استقالة حميدتي ومريم وقتها، وهذا أمر سنعود لها لاحقا.
ما يهمنا الآن هو النية المبيتة من زعيم حزب الأمة ونائبته، وبعضا من عضوية الحزب لضرب قوى إعلان الحرية والتغيير، وإبعادها عن المشهد والترتيب لمخطط جديد يعود به الإمام للمشهد مرة أخرى في ثوب جديد.
الصادق المهدي معروف عنه أنه عدو الثورة الأول، قفز على ظهر الشباب ومشى فوق جماجم الشهداء، لم تمنعه دماؤهم التي خضبت شوارع القيادة ولا أزقة المدن والقرى والحواري، الصادق المهدي تعود أن يسرق جهود الآخرين سياسيًّا، ولا يضيره أن يصبح حزب الأمة الجناح السياسي لمليشيا الدعم السريع طالما أن الأمر متعلق باستعادة سلطة مفقودة، وأموال تعين على مجابهة احتياجات الحزب لفترة الانتخابات القادمة، والتي يُمني فيها نفسه باستعادة أمجاده والعودة لرئاسة الحكومة. ولعلنا لم ننسى الغزل المتبادل بين قائد الدعم السريع حميدتي وبين الصادق المهدي يكشف حقيقة العلاقة بين الرجلين، فحميدتي في تصريحاته لا يكف عن التغزل في حكمة الصادق المهدي وهكذا.
نعم هناك أخطاء جسيمة من قبل حكومة حمدوك وجزء آخر تتحمله حاضنتها السياسية قوى الحرية والتغيير ولكن الخطأ الأكبر ترك الأمر بيد حزب الأمة وحلفائه الباحثين عن شواغر في أجهزة الدولة لن يجدوها حال خاضوا انتخابات نزيهة.
وعلى قوى إعلان الحرية والتغيير السعي لإخراج الثورة من هذا النفق المظلم الذي أدخلها فيه الصادق المهدي (بالجرجرة واللولوة والفهلوة) السياسية، وأن تستفيد من القبول والإلتفاف الثوري حولها حتى الآن وإن تناقص نوعا ما بعد الأزمات المتلاحقة.
والاستفادة من الدعم الدولي الذي وجدته، لضمان نجاح مساعيها للإصلاح، وأن تمنع الارتباط المرتقب بين (جهابزة السياسة) و(خزنة المال)، وإن حدث وتمَ الإرتباط، فعليها السعي بكافة السبل لطلاقهما فورا، فمثل هذا التزاوج مصيره جنينا مشوَها مبتور الرأس والأطراف. وعليها أن تعي الدرس بأن التأخير ليس من مصلحة الثورة ولا الوطن.

هنادي الصديق
الجريدة