مقالات متنوعة

مدني وبدوي وبرهان

وضح تماما فشل حكومتنا الانتقالية حتى الآن في كبح جماح التدهور الاقتصادي المريع، وبدا ذلك خلال التعاطي العاجز لوزراء القطاع الاقتصادي مع الأزمات المتلاحقة خاصة المرتبطة بمعاش الناس، وعدم وضع معالجات إسعافية لها.
التزاحم اليومي على صفوف الخبز وغاز الطبخ ينذر بكارثة صحية قادمة لا محالة مع تزايد معدلات الإصابة بفايروس كورونا كوفيد 19 بالسودان، وفشل لجان الأحياء في الكثير جدا من مناطق السودان على إيجاد الحلول العاجلة لظاهرة (الطوابير) يؤكد أيضا فشل الحاضنة السياسية للحكومة (قوى الحرية والتغيير)، وفشل مضاعف للشقَ العسكري الشريك الأساسي في الحكم، في وضع حد لهذا الإهمال الشنيع الذي سيدفع ثمنه الجميع بلا استثناء.
خرجت بالأمس في جولة صباحية لمعاينة الوضع في ثاني أيام الحظر قبل أن أبدأ كتابة العمود اليومي وفي بالي مقولة (من رأى ليس كمن سمع)، تفاجأت أن الحياة تسير بشكل طبيعي جدا في عدد من أحياء الخرطوم الجنوبية، حركة مزعجة للسيارات والركشات والدراجات، خدمات بائعات الشاي مستمرة كما هي لم يتغير فيها شيء، مجموعات الونسة ولعب الليدو موجودة تحت ظلال الأشجار، شعرت للوهلة الأولى أن هؤلاء لم تطرق آذانهم تحذيرات السلطات الصحية بضرورة البقاء داخل المنازل وعدم الخروج بدون سبب واضح، اما صفوف الخبز والغاز فحدث ولا حرج.
شاهدت فيها تدافعا كبيرا وصياحا وهياجا بين المواطنين وشباب لجان الأحياء المتطوعين والذين لم يسلموا من الشتائم والإساءات في كثير من الأحيان. عدم إلتزام بشروط المسافات المطلوبة بين المواطنين، لا كمامات، لا معقمات، لا أدوات عزل سواء أكان للمواطنين أو لجان الأحياء، هذه وغيرها من مشاهد مقلقة تنتظر المسؤول الحقيقي الذي يقف عليها ويسعى لمعالجتها بشكل سريع وحاسم.
سمعنا بحل سريع لأزمة الخبز من قبل وزير التجارة، ولم نرى شيئا، وعود من وزير المالية، ولا جديد فيها، الأزمات الاقتصادية تتصاعد وتجبر المواطن للخروج بحثا عن لقمة عيشه، ووزراء اقتصادنا يدورون بنا في حلقة مفرغة دون أن يتفضل علينا أحدهم ويخرج ليحدثنا بشفافية عن حقيقة الوضع.
لجان الأحياء وضعت خططا جيدة جدا لمعالجة أزمة رغيف الخبز والغاز والسكر، وهي البطاقات بعد عملية الحصر السكاني التي تمت في أجزاء كبيرة من المناطق، حيث كان من المفترض أن تقوم اللجان بتوزيع الخبز للمواطنين بالمنازل للحد من ظاهرة الإصطفاف في المخابز، ولكنها فشلت بسبب عدم توفر سيارات للتوزيع، وحتى الحل الثاني في استخدام سيارات المواطنين المتطوعين فشل أيضا لعدم توفر الوقود.
بإمكان الحكومة استغلال سانحة توقف حركة النقل والمواصلات بالبلاد، وبالتالي الوفرة المتوقعة في الوقود من بنزين وجازولين؟
هذا الحل بإمكانه مع توفر دقيق الخبز حلحلة هذه الأزمة المزعجة على الأقل لحين دحر الوباء وعودة الحياة لطبيعتها، ولا أعتقد أن هذا الأمر شاق على الحكومة وحاضنتها السياسية قوى الحرية والتغيير.
المكون العسكري بفئاته المختلفة (شرطة، جيش ، أمن، دعم سريع) هو الآخر جزء من هذا الوطن والحكومة، ولكنه آثر أن يقف بعيدا ومتفرجا حتى الآن دون أن يكون له دورا واضحا ومحسوسا في هذه الأزمات، فبأمكانه فتح مطاحنه لتوفير الدقيق، وتسخير سياراته في توزيع رغيف الخبز، وتسخير جنوده في ضبط حركة الشارع وضبط حركة الأسواق في ظل غياب مباحث التموين، فغياب القوات النظامية عن كل ذلك مدعاة للفوضى التي يمارسها التجار والسماسرة المضاربين في قوت الشعب. وفي حال استمر فشل كل تلك الحلول، فإن ذلك يعني انتشار مرعب للوباء لن تعالجه جميع (روشتات البنك الدولي). والحديث موجَه بشكل خاص لمدني عباس والبدوي، ومن قبلهم البرهان.

هنادي الصديق
الجريدة