السودان .. 7 مهمات عاجلة لترميم تحالف العسكريين والمدنيين
أعدّ التحالف العسكري والمدني الحاكم في السودان مصفوفةً زمنية لتصحيح مسار الثورة في البلاد، والتي مرّ عليها عامٌ دون أن تحقق الكثير من الطموحات الشعبية. وجاءت المصفوفة نتيجة اجتماعاتٍ تواصلت أخيراً، بين مكونات الحكم، وقضت بالاتفاق على سبع مهمات عاجلة يتوجب إنجازها، على الرغم من العراقيل التي قد تقف بطريقها، لا سيما في ما خصّ المهلة الزمنية المعطاة لها، والتي قد تكون قصيرة أمام التحديات التي يواجهها السودان.
وعقد كلٌّ من مجلس السيادة الانتقالي، ومجلس الوزراء، وتحالف “قوى الحرية والتغيير” الحاكم، اجتماعاتٍ موسعة طوال الأيام الماضية، لتعزيز الشراكة بينهما، بعدما ضربتها بعض الهزّات، لا سيما بين العسكريين والمدنيين من جهة، والجهاز التنفيذي والأحزاب المكونة لـ”الحرية والتغيير” من جهةٍ أخرى، والتي تتحفظ بشدة على ضعف مردود الأداء الحكومي.
ودخلت الأطراف الثلاثة المشاركة إلى الاجتماعات، بحسب مصادر “العربي الجديد”، بروحٍ قادت إلى الكثير من المصارحة والمكاشفة. وجرى خلال اللقاءات تبادلٌ لتحميل المسؤوليات عن جملة من مظاهر الفشل الذي طَبع بشكلٍ عام الأداء السياسي، لا سيما في معالجة الملفات الاقتصادية والمعيشية، والقصور في إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية، وتمسّك المكون العسكري باستمرار هيمنته على شركات أمنية تابعة، وبعيدة عن نظر وزارة المالية. كما أن المشهد العام اتسم طوال الفترة الماضية بالتباعد الكبير في المواقف السياسية الداخلية، وتلك المتعلقة كذلك بالسياسة الخارجية، والارتباط بالمحاور الإقليمية.
7 مهام
وتُوّجت اللقاءات بإعداد مصفوفةٍ زمنية، جرى الإعلان عنها يوم السبت الماضي، لتنفيذ سبع مهام رئيسية (أو محاور)، هي: الشراكة بين مكونات الحكم، السلام، الأزمة الاقتصادية، تفكيك النظام السابق (تمكين التفكيك)، إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية، العدالة، والعلاقات الخارجية.
جاء الاتفاق الجديد على أن تدخل الأطراف الثلاثة الحاكمة إلى مفاوضات السلام بوفد مشترك موحد
واتفقت الأطراف المجتمعة على تفصيلٍ مُحكم لصلاحيات مجلس السيادة وتلك التي تخصّ مجلس الوزراء، بعدما ظلّ التضارب سمة المشهد العام، منذ دخول هذه السلطة الحكم، خصوصاً في ما يتعلق بإدارة ملف السلام والتفاوض مع الحركات المتمردة، والتي هيمن عليها في ما مضى المجلس السيادي، من خلال وضع اليد. وجاء الاتفاق الجديد هذه المرة على أن تدخل المكونات الثلاثة التي يتألف منها الحكم، إلى مفاوضات السلام بوفد مشترك موحد.
وجرى الاتفاق الحاسم كذلك على تعيين ولاة مدنيين مؤقتين للولايات، بحدود التاسع من شهر مايو/ أيار المقبل، وهي واحدة من القضايا التي كانت قد أثارت جدلاً واسعاً، ببقاء الولاة العسكريين في مناصبهم، من دون القيام بما يكفي لإزالة تمكين نظام الرئيس المعزول عمر البشير، والسيطرة على الموارد المالية الهائلة في الولايات، والتراخي والتباطؤ في توفير الخدمات، مع عدم حلّ الأزمة المعيشية، خصوصاً المرتبطة بتوفير وتسعير الخبز والوقود، عدا التراخي في حسم التفلتات الأمنية والنزاعات القبلية.
وقضى الاتفاق حول الولاة المدنيين، بتعيينهم إلى حين التوصل لاتفاق سلامٍ مع الحركات المسلحة، التي تُصّر على انتظارها للحاق بعملية اختيار هؤلاء الولاة وتسمية مرشحين من جانبها في الولايات. كما شمل الاتفاق تكوين مجلس تشريعي انتقالي، يقع على عاتقه مثل ما يقع على تعيين الولاة، فالحركات المسلحة تُصّر كذلك على أن تكون جزءاً من هذا المجلس.
وحول المفاوضات مع الحركات المسلحة، فقد أمرت المصفوفة الزمنية بكسر حاجز التفاوض مع حركة تحرير السودان بزعامة عبد الواحد محمد نور، وهي حركة تتمتع بثقلٍ جماهيري في إقليم دارفور، خصوصاً في صفوف النازحين، وكانت قد قاطعت المفاوضات الدائرة في عاصمة جنوب السودان جوبا. وكذلك طلبت المصفوفة من الوفد الحكومي كسر الحواجز في التفاوض مع الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، والتي تُعد أكثر الحركات عُدّة وعتاداً وسيطرة في مناطق واسعة في ولاية جنوب كردفان.
وتُصّر حركة الحلو على وجه التحديد، على مقترح واحد قبل التوغل في المفاوضات، ألا وهو تطبيق النظام العلماني في البلاد، وهو أمرٌ ترفضه الحكومة، ليس من حيث المبدأ، إنما تريد مناقشته عبر مؤتمر دستوري أوسع. لكنها ربما تكون قد توصلت إلى رؤية توافقية حول علاقة الدين والدولة، تكون أقرب لما تنشده الحركة الشعبية.
في جانبٍ آخر، يسود اعتقاد واسع وسط تحالف “الحرية والتغيير” بأن الأجهزة الأمنية والعسكرية لا تزال تحتفظ بمجموعة كبيرة من الشركات الاقتصادية الكبيرة وذات التأثير على الاقتصاد الكُلّي، كما يعتقد التحالف أن كل حسابات تلك الشركات بعيدة عن أعين وزارة المالية، وبالتالي فقد تطرقت المصفوفة إلى إجراء إصلاحات عاجلة في جهاز الاستخبارات العامة، إلى جانب إصلاحات عاجلة أخرى في جهاز الشرطة، وبناء جهاز أمني داخلي وفقاً لتفاصيل ورقة الصلاحيات والمهام.
ومع الضغط الذي يتعرض له المكون العسكري في هذا المحور، فقد يضطر إلى التنازل عن بعض الشركات، كما حدث قبل أيام حين تنازلت شركة محسوبة على قوات الدعم السريع، وقائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عن منجم جبال عامر في دارفور لصالح الحكومة، وهو واحد من أكبر المناجم، بحسب تقديراتٍ في السودان.
ومن بين كثيرٍ من الخيبات، خلال السنة الأولى ما بعد سقوط نظام البشير، حازت لجنةٌ معنية بإزالة تمكين النظام السابق على الرضا، خصوصاً أخيراً، عطفاً على قراراتها بمصادرة العديد من الممتلكات، وحظر نشاط منظمات محسوبة على هذا النظام. ومع هذا الرضا، طالبت المصفوفة الجديدة بإضافة كل ما يمكن أن يساهم في كفاءة واستقلالية عمل اللجنة، وإنشاء صندوق قومي تحت إشراف وزارة المالية، تودع فيه الأموال المستردة من رموز نظام البشير، وتمكين الوزارة من الولاية على المال العام، وتوجيه الأجهزة الأمنية وإصلاحها، للاضطلاع بدورها في تفكيك البنية القديمة، مع الترتيب عبر النيابة العامة لتحويل رموز النظام المعتقلين إلى محاكمات علنية وعادلة.
لا يحبذ عبد الله حمدوك إجراء أي تعديل وزاري في الوقت الراهن، وينتظر التوصل إلى اتفاق سلام مع المتمردين
لكن في خضّم كل هذا، تبرز حاجةٌ ملحة لإجراء تعديلات وزارية، كما يُطالب الكثيرون، من بينهم تحالف “الحرية والتغيير” الحاكم، الذي أصّر في ما مضى على إقالة وزير الزراعة عيسى عثمان، لفشله في إدارة الموسم الزراعي. كما تعالت أصواتٌ أخرى تنادي بإقالة وزيرة الخارجية أسماء محمد عبد الله. بدوره، لم يكن وزير الطاقة عادل إبراهيم بمنأى عن دعوات إبعاده، في ظلّ تلاحق الأزمات في المشتقات البترولية. لكن وفقاً للمعلومات، فإن رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، لا يفضل إجراء أي تعديل وزاري في الوقت الراهن، وينتظر التوصل إلى اتفاق سلام مع المتمردين، لتتم بعده إعادة تشكيل الحكومة ككل.
تورط في المهلة
يشدد مقرر المجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير، كمال بولاد، على أهمية المصفوفة في مخاطبة سبع مهام أساسية، لا يمكن أن تعبر المرحلة الانتقالية بسلامٍ من دون إنجازها. واعتبر أن أول هذه المهام حلحلة الأزمات المعيشية، وهو أمر يتقدم جميع الأولويات، ومن ثم إنجاز السلام، وتعيين الولاة، وتكوين المجلس التشريعي، وكلّها ملفات يعتبرها المجلس ذات أهمية قصوى، في مجال تصحيح بعض مسارات الثورة، ومعالجة أوجه الخلل الموروث من النظام السابق.
وأوضح بولاد، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن مجلس السيادة مُقيّد بسقفٍ زمني لإنجاز الإصلاحات في الأجهزة العسكرية والمدنية، وكذلك مجلس الوزراء، و”الحرية والتغيير” التي عليها أن تكون جاهزةً في ما يتعلق بتسمية مرشحي الولايات وأعضاء المجلس التشريعي بالتشاور، مشيراً إلى أن كل ذلك ينبغي الانتهاء منه في مهلة أقصاها التاسع من الشهر المقبل.
لكن محمد الأمين عبد العزيز، العضو السابق في تجمع المهنيين، والعضو حالياً في حركة تحرير السودان، فصيل ميناوي، يرى أن المصفوفة المتفق عليها تورطت في موضوع تعيين الولاة وأعضاء المجلس التشريعي، لأن في ذلك خرقٌ واضح لاتفاق جرى التوقيع عليه في المفاوضات بين الحكومة وحركات الكفاح المسلح، وينص على تأجيل تعيين الولاة وعضوية البرلمان لحين التوصل إلى سلام.
وأشار عبد العزيز، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن مفاوضات السلام التي ترعاها حكومة جنوب السودان قطعت شوطاً بعيداً، ويمكن أن تصل إلى اتفاقياتٍ نهائية في أقرب وقت، بالتالي ما على الحكومة إلا التمهل والانتظار، وإلا سيؤدي غير ذلك لنسف العملية التفاوضية. وحول مقترح كسر الحاجز والجمود في التفاوض، أشار عبد العزيز إلى أن الطريق الوحيد إليه هو الموافقة على علمانية الدولة، كما فعل تماماً تجمع المهنيين الذي بات من الداعمين للمقترح، وعلى جميع المكونات الأخرى الموافقة كحل جذري لواحدة من أبرز مشكلات السودان.
العربي الجديد