رأي ومقالات

ضياء الدين بلال: مرض وراثي…!

-١- تسرف الحكومة الانتقالية الحالية في تشكيل لجان التحقيق، حتى قيل إن عدد اللجان بلغ ٣٤ لجنة خلال أشهر معدودة.

في كل اللجان التي شكلت منذ التغيير إلى اليوم، ليست هنالك نتائج معلنة، وما كان معلناً على قلته، فهوغير مقنع.

بيان رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك الأخير ترتب عليه جدل، حول التوقيت والمحتوى والشكل .

كان أهم ما في البيان تشكيل لجنة تحقيق حول ما صاحب تظاهرات الخميس من عنف.

الدربكة المصاحبة لبث البيان أتت بلجنة تحقيق أخرى -على استحياء -لتحديد ومعاقبة من تسبب في ذلك!

-٢-

لجان تحقيق تتبعها لجان تحقيق أخرى، ولا نتائج هنا ولا مقررات هنالك، وكل الأخطاء والجرائم مقيدة ضد مجهول!

في الغالب الأعم ، يأتي قرار تشكيل لجان تحقيق في قضايا رأي عام بغرض امتصاص الآثار السياسية، وتخفيض سخونة التناول الإعلامي.

وما أن تمرّ موجة الغضب وتتراجع الآثار، تموت الأوراق في الأدراج وتُصبح القضية في طيِّ النسيان.

-٣-

قبل سنوات، أثناء عملي رئيساً للقسم السياسي بصحيفة (الرأي العام)، كلَّفتُ الصحفية المتميزة صاحبة الخبطات الإخبارية وقتذاك، إيمان آدم سالم، بإجراء تحقيق صحفي عن لجان التحقيق في عهد الإنقاذ، وماوصلت إليه.

مصدر الفكرة ملاحظة أن كثيراً من القضايا والحوادث، تمَّ تشكيل لجان تحقيق لها، وفي غالب تلك اللجان لم تكن هناك نهايات معلنة أو معروفة.

قضت إيمان أياماً بدار الوثائق، تبحث وتُنقِّب، ورصدت كُلَّ لجان التحقيق التي تم تشكيلها في عهد الإنقاذ.

كانت خلاصات التحقيق الصحفي مدهشة:

عددٌ من تلك اللجان توقفت عن التحقيق في منتصف الطريق وأخرى في بدايته، بعض اللجان كانت نتائجها سرية، والبعض الآخر خلص إلى نهايات مفتوحة وتوصيات مُعمَّمة.

-٤-

هناك متخصصون في كتابة تقارير لجان التحقيق، بمقاس رغبات رؤسائهم، فإذا كان المراد الإدانة وتشديدالعقاب نسجوا على ذلك.

وإذا كانت توجيهات أو تلميحات من أصدر قرار تشكيل اللجنة إيجاد مخارج وتبريرات فَصَّلَ ترزية التقاريرتوصياتهم على تلك الرغبة.

بعض ترزية التقارير لهم مهارة في كتابة التوصيات المبهمة والناعمة التي يصعب الإمساك بها!

فيصيغون كلاماً فضفاضاً ولامعاً، ولكن بلا معنى ولا تُبنى عليه مُترتِّبات.

ذلك الإرث من حصاد لجان التحقيق راكم سوء ظن كثيف، لذا كلما قررت جهة عليا تشكيل لجنة تحقيق أحاطت باللجنة الظنون ولحقت بها الشبهات.

مثل هذا الأسلوب يحمل قدراً كبيراً من التحايل والخداع والمراوغة، فهو يستبطن التسويف واللعب على حبال الوقت.

السلوك المتوارث في تشكيل لجان تحقيق امتصاصية تسويفية، يفقد الثقة في منظومة العدالة، مهما علا صوت الشعارات.

-٥-

ما جاء في تصريحات الأستاذ نبيل أديب رئيس لجنة التحقيق في أحداث فض الاعتصام – حتى ما بعد التوضيح – عن عدم تمليك المعلومات بصورة مباشرة للجمهور، يرفع درجة الريبة ويضاعف من الشكوك.
في النظام السابق حينما اشتد الضغط الدولي على حكومة البشير بخصوص فظائع حرب دارفور تم تشكيل لجنة تحقيق سودانية مستقلة برئاسة مولانا دفع الله الحاج يوسف، وعندما انتهت من عملها المهني المتجرد تدخلت الجهات العليا فمنعت نشر نتائج التحقيق كاملاً.
كان الخيار السياسي تقديم موجز مختصر للتقرير حتى يتم تجنب النقاط المثيرة للحساسية والمخاوف، فمات التقرير في مولده!

-٦-

كذلك الإسراف في تشكيل اللجان، خاصة المعنية بقضايا الفساد وتصفية تركة النظام السابق، لا يزال مردودها أدنى من التوقعات .

بقاء قيادات النظام السابق ورموزه لما يقارب العام في السجون دون تقديمهم لمحاكمات – دعك عما يثار عن وجود مماطلة – هذا دليل ضعف في عمل لجان التحقيق.

فالفترة الزمنية كافية لفرق التحقيق لجمع المعلومات والأدلة التي تدين أو تبرئ المحتجزين .

كان الأولى أن تهتم الجهات العدلية بقضايا مركزية كبرى توليها الاهتمام الأقصى ومن ثم من بعد إنجازها تنتقل إلى ما هو أقل أهمية.
تشكيل لجان تحقيق في كل صغيرة وكبيرة، يهدر الطاقات ويبدد مجهودات المحققين ويسمح بهروب كثيرين بغنائمهم وسط زحام القضايا المتعددة والمتشعبة.

-٧-
من أهم النصائح التي يقدمها مدربو كرة القدم للاعبيهم، إذا كانوا في الحاجة مثلاً لإحراز ثلاثة أهداف:
فكروا في إحراز الهدف الأول كأنه غايتكم النهائية، ثم انتقلوا للبحث عن الثاني، قبل أن تبذلوا جهدكم الأقصى لإحراز الثالث.
-أخيراًً-
التفكير في إحراز ثلاثة أهداف يرفع درجة التوتر ويخفض مستوى التركيز مما يترتب عليه فشل المهمة، واستقبال أهداف مرتدة!

ضياء الدين بلال