رأي ومقالات

ضياء الدين بلال: تسريبات نعمات!

-١- لا تكفُّ التسجيلات المسربة من اجتماعات مغلقة أو خاصة، لسياسيين أو مسؤولين، عن إثارة الجدل وشغل الرأي العام بالقيل والقال.

ما لا يفهمه الكثيرون مع أجهزة الموبايل الحديثة كل ما يُقال سراً أو في نطاق محدود قابل للعبور إلى العلن بسرعة الصوت وخطفة البرق.

ما اجتمع قوم من أهل العمل العام وفي معية بعضهم أجهزة موبايل في مكتب أو مجلس اجتماعي حتى ذاع حديثهم في الملأ!
-٢-
قد لا يعني ذلك خبث المقصد لتحقيق غرض بعينه ولكن هو ما اصطلحنا في الوسط الصحفي على وصفه بشهوة النشر.
كثيرون لا يحتملون الاحتفاظ بالأسرار والمعلومات الجديدة، فما إن يجدوا سبيلاً لنشرها قاموا ببثها في أوسع نطاق وأسرع وقت.

حكى لي أستاذي الراحل المقيم إدريس حسن المخبر الأول في الصحافة السوانية لما يقارب النصف قرن قصة طريفة.
قال إنه كان في حفل زواج أحد أقاربه وأثناء الحفل جاءت على هاتفه رسالة تفيد بإعفاء صلاح قوش من إدارة جهاز الأمن.
قال لي إنه تلفت يمنة ويسرة فلم يجد شخصاً ينقل له الخبر فذهب للعروسين ليخبرهما بإقالة قوش.
-٣-
ما بعد تسريب حديث دكتور الشفيع خضر في المزرعة عن علم حمدوك بلقاء برهان ونتنياهو بعنتبي، أثار حديث السيدة نعمات عبد الله رئيس القضاء في اجتماع لها مع مجموعة من القضاة جدلاً واسعاً.

تحدثت السيدة نعمات أن القانون المعد لإصلاح المنظومة العدلية – ما هو إلا قانون يسعى إلى تسييس القضاء، ومن ثمّ تسخيره لخدمة أجندة بعينها .

وقالت أن هنالك من يريد إدخال بعض المجهولين إلى هذه المنظومة .

في مقابل ذلك هددت بتقديم استقالتها ومعها آخرون من منسوبي السلطة القضائية.
-٤-
للأسف الرغبة العارمة في التخلص من آثار الثلاثين عاماً سنوات حكم الإنقاذ، تتم في غالب المؤسسات بصورة فوضوية تصفوية متوحشة.

صحيح هنالك ضرورة لتفكيك كل ما قام على باطل في الحقبة السابقة، ورد الحقوق إلى أهلها ومعاقبة الفاسدين والمتجاوزين، هذا مطلب ثوري وواجب تاريخي.

كل ذلك يمكن أن يتم بطرق سليمة ووسائل نظيفة تراعي قيم ومعايير العدالة والإنصاف.
-٥-
هنالك فرق بين تفكيك البنية التنظيمية للنظام السابق وتفكيك أجهزة الدولة ووضع الجميع في دائرة الاشتباه على الظنون والوشايات.

إنهاء تمكين الإنقاذ لا يتم بترسيخ تمكين مضاد، ومعاقبة المشتبهين يجب إلا تتم بطرق ظالمة وجائرة، ما تبخل به لأعدائك اليوم قد تحتاجه غداً وقد كنت تطلبه أمس!

معايير العدالة يجب أن تكون عامة ومحايدة تنطبق على الجميع بعيداً عن الشنآن، العدو قبل الحليف، البعيد عنك قبل القريب.
-٦-
العدالة الانتقائية والانتقامية تكرِّس الظلم في المجتمع وتُعمِّق الغبن وتستديم حالة العداء الفاحش في الممارسة السياسية وتفتح باب المواجهات على مصراعيه في وطن هش كل ما فيه قابلٌ للكسر والشرخ.

عاقبوا نظام الإنقاذ بتقديم نموذج أفضل لا بتكرار أخطائه وتجاوزاته في التعامل مع الخصوم، على سبيل المعاقبة بالمثل .

المبادئ خالدة والأشخاص إلى زوال وإذا صلح القضاء ساد الأمن وترسخت الثقة في المؤسسات.
-٧-
تحتفظ ذاكرة التاريخ بموقف القائد الإنجليزي ونستون تشرشل، من نقل المطار الحربي المُجاوِر لإحدى المدارس البريطانية.
خضع تشرشل لحكم القضاء البريطاني، وقال مقولته الشهيرة: (لئن تُهزم بريطانيا في الحرب، خيرٌ من أن يقال إنها لا تُنفِّذ أحكام القضاء).
-أخيراً-
بالقطع كثيرون سيقولون: دعهم يشربون بذات الكأس الذي سقوا به معارضيهم طوال ثلاثين عاماً.
من يقولون ذلك لن يجدوا أفضل من نصيحة المهاتما غاندي لإخراجهم من ضيق الغبن إلى سعة الحكمة: (قانون العين بالعين يجعل كل العالم أعمى).
ضياء الدين بلال