طلب الفول!!
*أحدهم وَضع قائمة لأسعار الوجبات تَعُود للعام 2011م، وهو ذات العام الذي انفصل فيه جنوب السودان عن شماله، وكانت القائمة تُوضِّح أنّ طَلب الفول بجنيهين ونصف وطلب الكَبدة بخمسة جنيهات، وعلّق صاحب الصورة في خاتمتها، بأنّ هذه الصورة ستكون وثيقة أثرية في دار الوثائق!!
*تسعة أعوام فقط هي التي تفصل تلك القائمة عن حاضرنا “المُؤلم” في 2020م، وفي هذا العام طلب الفول وصل إلى خمسين جنيهاً، أما الكَبدة لا علم لنا بسعرها لأنّنا ليس من أنصارها وكذلك جُل الطبقة الكادحة.
*قلت لأحد الأصدقاء بمنطق أهل الحكومة، من السهل إقناعك بأننا في تحسُّن “اقتصادي” منذ العام 2011 وحتى اليوم، فعقد حاجب دهشته وقال لي “إلا تكون أحد عباقرة هذا الزمان”.
*المسألة في غاية البساطة، ففي العام 2011م كان الدولار يُعادل اثنين جنيه ونصف أي طلب الفول بدولار، أما الآن فالدولار بمائة جنيه وطلب الفول بخمسين جنيهاً فقط، معناها طلب الفول بنصف دولار وهذا يعني أن اقتصادنا مُتحسِّن!!
*طبعاً البُسطاء من أهل السودان يمكن أن يصدقوا عادي، ولكن اذا فكّروا قليلاً كم كان دخل الفرد في العام 2011م وهل كان يفي بأغراض الشخص أم لا؟ وكم دخل الفرد الآن وهل يفي بأغراضه أم لا؟ سيجد أننا تراجعنا كثيراً ووصلنا إلى عُمق الهاوية التي وقعنا فيها بأخطاء ساسة بلادنا في السنوات السابقة وحتى اليوم!!
*منذ استقلال السودان وحتى اليوم ونحن نتدهور “إدارياً” ونسقط اقتصادياً، وفشلنا في إدارة مواردنا منذ “موت” المشاريع الزراعية في طوكر والجزيرة والنيل الأبيض وغيرها من المشروعات التي كانت ترفد الاقتصاد السوداني بالمال “الصعب”!!
*سُوء الإدارة هو المشكلة الأساسية في السودان، وهذا السوء ليس في السياسة وحدها، وإنّما في المجالات كَافّة نُعاني من سُوء الإدارة حتى في الرياضة التي فشلنا فيها من تحقيق إنجاز إقليمي طيلة الثلاثين عاماً الماضية.
*السودان مُؤسِّس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم وفي سِجِل مُنتخبه القومي بطولة وحيدة حَقّقها، حينما كانت الدُّول الأفريقية المُنضوية تحت لواء هذا الاتحاد قليلة جداً، وفي سِجِل الأندية بطولة أيضاً وحيده حقّقها المريخ في 1989م وبعدها لم نُحقِّق شيئاً يُذكر لسُوء إدارات الأندية.
*السودان يمتلك تقريباً أكثر من أربعة وخمسين مليون رأس من الأبقار ورطل اللبن وصل إلى ثلاثين جنيهاً لسُوء إدارتنا، وهولندا الأصغر مساحةً وموارد منا تمتلك تقريباً أربعة عشر مليون رأس من الأبقار ولكنها تُصدِّر الألبان والأجبان للعالم، لحُسن إدارتها!!
*السودان يمتلك أكبر أرضٍ زراعيةٍ خَصبة وكل أراضيه تقريباً صالحة للزراعة عدا مجاري المياه، وإثيوبيا التي ليس لها ما لدينا من أرض خصبة وتحفر الجبال للزراعة لإيجاد مساحات لزراعتها، تتفوّق علينا في زراعة الحبوب.
*السودان له موارد السياحة والزراعة والثروة الحيوانية والصناعة ونفشل إدارياً في جذب المُستثمرين، وغيرنا من الدول ليس لها نصف ما لدينا وتنجح في بناء أوطانها بحُسن الإدارة!!
*كتبنا كثيراً، إنّ مُشكلة السُّودان ليس فيما مَن يحكمه، ولكن معضلته الأساسية في اثنين، أولهما سُوء الإدارة، وثانيهما قِلّة الضمائر الوطنية الواعية التي تُفكِّر بشفافيةٍ في خدمة البلاد ولا تقترب من الفساد بأشكاله المُختلفة.
*طلب الفول يُمكن ان يصل إلى رُبع دولار ونكون حينها قد غرقنا في تضخُّم الاقتصاد!!
جعفر باعو
الصيحة