عوَّة في ضُلُفْ
خبر لقاء البرهان برئيس وزراء إسرائيل نتنياهو، أثار وما يزال يثير جلبة وهوجة وهرج وجدل وكتابات وخطب وتظاهرات واحتجاجات، فالرجل قد خطا خطوته بعد أن شاور من شاور واستشار من استشار واستخار واستقبل من أمر التطبيع ما استدبر ثم (حدس ما حدس)، وترك الخلق يسهرون جراها ويختصموا، حيث انقسم الناس حولها بين رافض متشدد ورافض بين بين “خاتف لونين” ومؤيد بشروط وداعم بلا تحفظ، وتقديري الشخصي ان كل مادار وما انفك يدور حول تفاهمات البرهان نتنياهو انه لا يعدو أن يكون (عوة فى ضلف)، والضلف الذي هو ظلف البهيمة بالعربية الفصحى ليس فيه (كدة) وخالي من اللحم، ولهذا يقال (عوة فى ضلف) لمن يتهارجون ويتنازعون ويتلاسنون حول شئ ليس له مردود واضح ولا تترتب عليه مصلحة أو منقصة وكأنه لم يكن، ولقاء البرهان نتنياهو لم يخرج بمردود واضح يمكن تأييده أو رفضه وهو أشبه بـ(الضلف) الخالي من اللحم، وعليه تبقى العوة والصراع حول هذا اللقاء هي ذات العوة التي يصفها المثل بأنها عوة في ضلف، حيث أن اللقاء لم يتمخض عن اتفاق على التطبيع ولا حتى على أي درجة أو مستوى من العلاقات ولا حتى عن أي شئ يمكن الامساك به عدا مرور الطيران ، كما لم يصدر عن اللقاء بيان مشترك، وقد قالها البرهان بنفسه ان لقاءه بنتنياهو تم بقناعته الشخصية وتقديراته الذاتية التي رأى فيها اهمية طرق كافة الأبواب من أجل مصلحة الشعب السوداني والنهوض بالدولة، وانه لم يلتزم بشئ في اللقاء ولم يوقع على شئ ولم يعد بشئ وكان اللقاء مجرد جلسة استكشافية متروك للمؤسسات الرسمية ولجماهير الشعب التقرير في شأنها اما بالمضي بالمبادرة الى الأمام أو رفضها ووأدها و(فلستوب) اقلب الصفحة، والى هنا لم تبق حجة لمتحجج لاثارة (العوة) مجددا فى هذا الضلف..
وبمناسبة هذه العوة حول (ضلف البرهان)، تحضرني حكاية معبرة عن الشاعر الفحل المجود الذي ولد أعمى بشار بن برد، والحكاية تقول كان بشار بن برد يقول الشعر وهو صبي، فإذا هجا قوماً جاءوا إلى أبيه يشكونه فيضربه ضرباً شديداً، وفي ذات يوم قال لأبيه: يا أبت ان هذا الذي يشكونه مني إليك هو قول الشعر، واني إن ثابرت عليه أغنيتك وأغنيت سائر أهلي، فإن شكوني إليك قل لهم ألم يرد في القرآن الكريم (ليس على الأعمى حرج)، فلما عاد القوم إلى الشكوى قال لهم برد ما أشار به ابنه بشار، فانصرفوا وهم لا يعلمون أيهما أنكى شعر بشار أم فقه برد؟ وعطفاً على الحكاية يسأل الساخرون عن أيهما أنكى خطوة البرهان أم شكوى الشانئين..
حيدر المكاشفي
الجريدة