هل تلدغ من ذات الجحر؟ .. اقتصاد الأزمات يحاصر حكومة الثورة بالسودان
حافرا بحافر تأخذ بوادر الاحتجاجات ضد حكومة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك مآلات الاحتجاجات ذاتها التي أطاحت بالرئيس المعزول عمر البشير، فما زال الخبز والوقود والمواصلات مشكلات للسودانيين.
وكان يوم الاثنين عصيبا على الحكومة فثمة احتجاجات وسط الخرطوم بسبب أزمة المواصلات التي ما زالت شاخصة، فضلا عن مظاهرات للطلاب في بورتسودان (نحو 675 كلم شمال شرق العاصمة) بسبب مضاعفة تعريفة المواصلات.
وفي بلدة السوكي بولاية سنار على بعد حوالي 291 كلم جنوب شرق الخرطوم، أغلق محتجون المباني المحلية وديوان الضرائب وأحرقوا مخابز وقطعوا الطريق الرئيسي، احتجاجا على الغلاء وانعدام الخبز والوقود.
واشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بتعليقات من نشطاء -بعضهم مناصرون للثورة- تحذر من مغبة عدم معالجة الأزمات المتعلقة بالغلاء وانهيار الجنيه.
شائعة مضرة
وتجاوز سعر صرف الدولار المئة جنيه سوداني إثر تقارير صحفية منقولة عن قيادي بارز في قوى الحرية والتغيير، الائتلاف الحاكم، كشف فيها عن اتفاق مع الحكومة لزيادة الدولار الجمركي إلى 55 جنيها بدلا عن 18 جنيها.
وكانت الأسعار قد اشتعلت إثر قرار لحكومة البشير في موازنة عام 2018، بمضاعفة الدولار الجمركي إلى 18 جنيها من ستة جنيهات.
وأبلغ نائب رئيس اللجنة الاقتصادية في قوى الحرية والتغيير عادل خلف الله الجزيرة نت أن ما نقلته إحدى صحف الخرطوم على لسانه عارٍ عن الصحة، وأدى لإثارة حالة من الهلع والبلبلة وإرباك حركة السوق.
وقال خلف الله إن “نشر التصريح بهذه الصورة قدم خدمة للمضاربين في النقد الأجنبي ومخططات التأزيم التي تديرها قوى الثورة المضادة بعد فشل محاولتها الانقلابية”.
وفي وقت لاحق من يوم الثلاثاء تراجع سعر صرف الدولار إلى نحو 89 جنيها، بعد أن نفت قوى الحرية والتغيير زيادة الدولار الجمركي.
انتقادات الأنصار
ويقول مسؤول اللجنة الاقتصادية بالائتلاف الحاكم إن قوى الحرية والتغيير رفضت تضمين موازنة 2020 حزمة سياسات صندوق النقد الدولي المتمثلة في تحرير سعر الوقود وتخفيض قيمة الجنيه والدولار الجمركي، تدريجيا ووفق مخطط زمني.
ويشير إلى أن ثمة مؤتمرا اقتصاديا في مارس/آذار المقبل سيضع تصورات إسعافية وبديلة لتصحيح مسار الاقتصاد.
وقدم سيد الطيب الناشط المناصر للثورة وحكومتها حزمة انتقادات وهو يحذر من موكب لأنصار النظام السابق تحت لافتة “معاش الناس” السبت المقبل.
ودوّن الطيب على حسابه في فيسبوك أن سعر صرف الدولار سيتجاوز السبت المقبل المئة جنيه، كما أن أزمات الوقود والخبز والمواصلات ستتفاقم.
ويتساءل الناشط “هل حكومتنا اشتغلت شغلها؟ الكيزان (أنصار حزب البشير) شغالين شغلهم المعروف الذي يشبههم. ليس لديهم شيء يقدمونه للبلد غير ضرر الناس”.
ويضيف “هل وزير المالية جلس مع الأمن الاقتصادي واتخذ إجراءات ضد الكيزان الذين يعملون علنا على تخريب السوق؟ هل وزير التجارة كون غرفة طوارئ لإدارة الأزمة والحد من تأثيرها؟..”.
نداء إنقاذ
وأطلق القانوني المهاجر سيف الدولة حمدنا الله نداء لإنقاذ الثورة “قبل أن تنطفئ شعلتها”، موضحا أنه كان لا بد، كما حدث فعلاً، أن تأتي اللحظة التي تتراجع فيها انتشار عبارة “شكرا حمدوك”.
وكتب حمدنا الله على صفحته بفيسبوك أن الشارع الآن يفيق على أن النجاح في إدارة جهاز الدولة لا يتحقق بهتافات المُشجعين كما يحدث في عالم الكرة.. لا بد أن تأتي اللحظة التي يستيقظ فيها الشارع إلى أن الصبر على عُسر الحياة ومُغالبة لقمة العيش، لم يُقابل بما يستحقه من تقدير وتميُّز في أداء قيادة أجهزة الثورة”.
وحذر من أن هذا الوضع سوف يؤدي “إلى كارثة وشيكة تنتهي بإجهاض الثورة”.
أما القائد السابق لنادي الهلال السوداني والمنتخب القومي هيثم مصطفى فقد صدّر حالة له في فيسبوك بحديث منسوب للشيخ محمد متولي الشعراوي، “إن الثائر الحق يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبنيَ الأمجاد”.
وأضاف مصطفى الذي كان أحد أيقونات الثورة، “بكل صراحة لم نجد مجداً يتم بناؤه الآن، لنمد له يد العون أو نمد له سعادة القلوب حتى، فنحن في حالة انكماش مؤلم وجمود عقيم وواقع أليم”.
خيال فقير
ونبه الناشط على منصات التواصل علي عثمان إلى ما أسماه بـ”فقر الخيال الثوري”، وقال إن مواقع التواصل كانت تحفل في مثل هذه الأزمات بمئات المقالات التي تتناول حلولاً أو نقدا مبرحا للأوضاع الاقتصادية والسياسية ولكن ما يلاحظ اليوم قلة المعروض من هذه البضاعة.
ويشير إلى أن الأصل أن الثورات دائما ما تحمل أحلاما كبيرة تتفتق عنها رؤى تتولد من حجم المعاناة والضوائق المتراكمة ولكن عجز العقل السياسي السوداني عن تقديم وصفة لأزمات ما بعد الثورة يثير علامات من الاستفهام والسخرية.
وتداخل في هذا السجال رئيس حزب المؤتمر الوطني المنحل إبراهيم غندور وهو يستعين في حسابه الرسمي على فيسبوك بما خطه رئيس حزب دولة القانون والتنمية محمد علي الجزولي بشأن الأزمة الاقتصادية.
وبحسب الجزولي فإن حكومة الحرية والتغيير تريد تقليص الدعم الحكومي للوقود إلى نحو الثلثين وحلت حزب المؤتمر الوطني وواجهاته وجمدت نشاط 52 منظمة ورغم ذلك يريدون رفع الدعم الحكومي.
ويبدو أن هذه الانتقادات فعلت فعلها لدى حكومة حمدوك والقوى السياسية الداعمة لها، فقد عملت قوى الحرية والتغيير الساعات الماضية على إقناع حمدوك للخروج للرأي العام وشرح المآلات الاقتصادية بدلا عن وزير المالية الدكتور إبراهيم البدوي، وهو ما حدث بالفعل بالإعلان عن مقابلة تلفزيونية لرئيس الوزراء.
اعلان
المصدر : الجزيرة نت