شبح ودموع !!
الدموع صنوف..
ومنها دموع الرجال ؛ وهي قاسية..
ومنها دموع الدم ؛ كقول المغني (يا عيني أبكي دمع الدم… الزمان بعذاب حكم)..
ومنها دموع المرض ؛ من شدة ألمه… وقسوته… ومخاوفه..
ومنها ما يجمع بين كل أولئك ؛ قهراً… وألماً…. ووجعاً…. وهجراً…. وعشقاً..
وهو ما جسدته دقائق فيديو شاهدته البارحة..
فأنستني – الدقائق هذه – ما كان يعتمل في نفسي من إحباط فظيع إزاء الراهن..
وقد كنا حذرنا – قبلاً – من ميوعة هي أكبر مهدد للثورة..
ميوعة حيال الذين يتربصون بها حقداً ؛ ويذرفون دموع (حرمان) ما هي بنبيلة..
ثم ميوعة تجاه التعامل الجدي مع مشكلاتنا الاقتصادية..
وفي إحدى تحذيراتنا هذه كتبنا كلمة بعنوان (مخالب) ؛ مطالبين بقسوة (تأمينية)..
ولولا المخالب هذه – والنيوب – لما رسخت الثورة الفرنسية..
ولما كانت بريطانيا – حالياً – ذات ديمقراطية هي من بين الأروع في العالم..
ولما كانت أمريكا تتباهى بديمقراطيتها الآن..
فكدت – إذن – أن أذرف دموع غيظ على ميوعتنا هذه حين فوجئت بدموع أخرى..
دموع هي – كما قلت – خليطٌ من ذلكم كله..
ففي الفيديو يجلس (شبحٌ) على سرير منبعج ؛ وليس حوله من متاع الدنيا شيء..
أو فقط جردل ماء… و(كوز) قبيح… وسملة معلقة..
ذلك الشبح كان لرجل اسمه أبو عبيدة حسن ؛ لطالما أمتع الناس بصداحه الكرواني..
ومن بين ما صدح به رائعة عزمي أحمد خليل :
نحنا ما رضيناها ليك
تغمر الدمعات عينيك
رغم كل خصام وجفوة
برضه شفقانين عليك
وكانت هي – في لفتة أروع إيلاماً – الخلفية الغنائية لتلكم الدقائق المسيلة للدموع..
ثم كانت خاتمة الفيديو قمةً في الإيلام الإبداعي..
فمع مقطع (نحنا ما رضيناها ليك تغمر الدمعات عينيك) غطى الشبح وجهه..
وغطى – معه – دمعه… وألمه… وحسرته..
وغطى الظلام المشهد… والسرير المنبعج… والسملة المعلقة… و(الكوز) القميء..
ولم يكن مسكنه هذا سوى (زاوية) قصية ببناءٍ تحت التشييد..
ونخشى أن يغطي – كذلك – على حياة مطرب ؛ مبتدؤها الأمل… وختامها الألم..
ولن يغفر التاريخ – حينها – لنا ؛ ولو سكبنا الدمع مدراراً..
فما فائدة دمعنا وقد كان بمقدورنا أن نكفكف دمعه… ونجبر كسره… ونطيب خاطره..
بل ونبدل حاله من بعد عسرٍ يسراً..
نكسو عظامه لحماً… وعريه ثوباً… وحاله ستراً… وسريره فرشاً… و سماءه سقفاً..
وما ذلك على الله بعزيز ؛ ولا على بعضنا بمستحيل..
ومن هذا البعض البرهان… ودقلو… ووزارة الثقافة… واتحاد المهن الموسيقية..
فيا هؤلاء : بالله عليكم تحركوا قبل فوات الأوان..
قبل أن تذرفوا دمعاً على رجل لم يبق منه ما يُشيع إلى مثواه الأخير سوى شيئين..
شبحٌ… ودموع !!.
صحيفة الأنتباهة