مقالات متنوعة

تحية عسكرية

يوم أمس كنت في زيارة مسائية لابن عمي الذي يستشفي بمستشفى (أمبريال)، ونحن وقوف أمام باب المشفى، وقفت سيارة بوكس ترتدي اللون الكاكي وعليها لوحة القوات المسلحة. العربة أوقفت تماماً مع مدخل باب المشفى وفتح الصندوق الخلفي لوضع جثمان أحد شهداء معركة (حقنا وين..!؟) من جنود القوات المسلحة البواسل .
لحظات وكان الجثمان مسجى داخل السيارة، وحوله عدد من جنود القوات المسلحة وبعض الذين يرتدون الزي المدني، ساعتها وقف عدد من الضباط والعاملين بالمشفى والمرضى والزوار والعابرون بالطريق العام وهم يرفعون أيديهم بقراءة سورة الفاتحة على جثمان الشهيد .
لحظات مهيبة مرت على الجميع وحزن عميق وجثمان الجندي يمر أمامنا، شباب نضر وجنود بواسل وأرواح أزهقت لا لشيء، إلا لمكاسب ذاتية وأطماع شخصية وأجندة خارجية . إحدى النساء وقفت بجانب العربة وهي تمسح دموعها بكفيها فيما تحتضن طفلة صغيرة أسدلت ضفيرتيها على عجل كما انسدلت دموعها أيضاً على عجل . عبر الجثمان أمامنا ولم يكن بوسعنا إلا أن نطأطئ رؤوسنا على الأرض، ولم يكن أمامنا إلا أن نطلق تنهيدة حارة حارقة لهذا الجندي الذي سكب دماءه من أجل حفظ الأمن وعودة الهدوء الى العاصمة.
غادر هذا الجندي الفانية وهو يؤدي رسالته على أبلغ وجه، يحمل سلاحه ليحسم الفوضى ويشيع الأمن ولنعود الى منازلنا وننوم ملء جفوننا في حين لم ينم هو وزملاؤه وواصلوا الليل حتى الصباح حتى فقد حياته لأجل الوطن .
هو فقد حياته وآخرين جرحوا وغيرهم فقد جزءاً عزيزاً من جسده، ولكن يكفي هذا الجندي وزملاؤه أنهم استشهدوا بزي القوات المسلحة وديباجة شرف حماية الوطن وسلاح خرج لننعم بالأمان .
لم يخلعوا ملابسهم النظامية مثل الآخرين ويهربوا بالملابس المدنية، لم يستخدموا سلاحهم لمكاسب رخيصة ويحولوا شوارع الخرطوم لساحات من الجحيم.
الآن.. همسة في أذن قيادة القوات المسلحة، كرِّموا هؤلاء الجنود بجنازة رسمية تليق بهم، كفنوهم بعلم الوطن، وأكفلوا أسرهم وأطفالهم وأمسحوا دموع كل أم وأب فقد ابنه في ليلة الثلاثاء المشؤومة. ونحن لا يسعنا إلا أن نتجول بحرية ونستمتع بصباحات الخرطوم ونحن على يقين أن هنالك رجال أقوياء أشداء يحرسون الوطن ويدحرون الخائنين ويجعلون أمننا في حدقات عيونهم .
خارج السور :
عزيزي المواطن.. حين تتحرك بأمان وتأكل بأمان وتعمل بأمان، تذكر من أزهق روحه لأجلك. لا تقدموا لهم التحية العسكرية، ولكن أدعوا لهم بالرحمة والمغفرة وعالي الجنان!..

صحيفة الأنتباهة