إسماعيل ابابا.. وشكرا حمدوك
في تسللي وعابر مروري من والى مطار اديس ابابا (بولي) لا افوت لحظات أنس شجية مع إسماعيل ابابو عامل تلميع الأحذية بالمطار والذي أقام متكأ للزبائن هو ديوان للانسانية والتعارف وإختلاط الحضارات التي لم يطمر رونقها ذرات غبار مرهق للاحذية ان وجد فالناس في مطار بولي يخرجون من اثيوبيا مثل الطليان الذين قالوا انهم حينما توجهوا الى ديارهم بعد معركة (عدوة) امر الامبرطور الاثيوبي بان يغمس كل جندي مغادر ارجله في طلس ماء فلما استفسرته حاشيته اجاب حتى لا يحمل احدهم ذرة من تراب بلادي الى الخارج ! واما اسماعيل ابابا الذي كنت امازحه انه ومن ملامحه التي تبدو اقرب الى (شوايقة القرير) بعض امشاج سودانية قد وردت من (قندر) فالرجل له فيه ذاك الضوع السوداني العاطر من سرعة الإئتلاف مع الاخرين كما انه بسام ؛ كريم معطاء ؛ يمسح لك حذائك بمقابل زهيد من (البر) او ما تجود به من قاع فئات العملات ومع ذلك قد يبرك بكوب شاي او فنجان قهوة من خارج تقديرات حسابك . راقني فيه سفر الكفاح الذي يخطه للعالمين فهو يجيد ثلاث لغات حية وحصيلة مقدرة من العربية وحصيلة اكبر من العامية السودانية سببها ما يؤمن به ان السودانة متعلمون ومثقفون و(طيبون) قال لي لم يجلس احدهم على مقعد خدمتي الا وصار اخ وصديق ؛ قال وهو يخرج هاتفه (كوي اسيك) انتظر لاريك ! واطلعني على رسائل ومهاتفات من كل فجاج الارض ؛ اشرقته سمرته بزهو وهو يعدد لي هذا بروفسير من الخرطوم وهذا طبيب من الامارات وذاك تاجر بالهند ؛ ان لم يهاتفوني عبروني في الذهاب والاياب بالهدايا واحيانا بالمراسيل والموفدين منهم ! ابابا وللمفارقة وعلى انه مساح احذية شريف النفس والمهنة فهو في واقع الامر خريج ثلاثة جامعات موزع فيها بين الاقتصاد وعلوم السياسية وحائز على براءات مجاستير ويرص حصيلة عمله ليصعد الى الدكتوارة ! قصته دفعت اشهر اصحاب برامج الحوارات مع نجوم المجتمع الاثيوبي لاستضافته في ليلة مجيدة (siefo show)ورعاه بوضع شعار البرنامج خلف مقعده عند زاوية قبالة بوابات السوق الحر في مطار بولي ؛ ابابا اسماعيل مثال للروح الانسانية الصلدة التي تكتب ان الحياة لا تهزم سوى اصحاب العجرفات وان من يهزمونها من لا تمنعهم ظروفهم تحقيق طموحاتهم . الرجل كلما اعبره يصب في دماي طلق من الحماسة ويفك عقال روحي فتغدو نشطة ؛ قلت له ساكتب عنك على حلقات قال افعل فقد تأخرت يا صديقي سبقك صحفي من الهند واخر من كندا لكن حرف من السودان سيعزني وبه افخر ؛ كنت اجلس اعيد معه تنظيم بعض اربطة الاحذية والدهشة تتصاعد فوقي من تحايا عابري المكان للرجل وإبتسامته المديدة تعلو فوق حاله الذي به يفخر ؛ ودعته على وعد باللقاء قريب ؛ لاحقني بتحايا و(تقديم) الى جانب المكان وهو يقول (يا زول يا طويل لا تنس ان تبلغ حمدوك تحياتي ) قلت هل تعرف (حمدوك) قال نعم ! قلت في سري شكرا حمدوك و غبت عنه .في خاطري (مصعب) شاب سوداني بدأ كعامل _وهو خريج جامعي_ في ورشة لصيانة (المواتر) فحذق عمله وفتح الله فيوض الرزق بالنباهة فامتلك ورشتين ؛ اعجب ما فيها انه تعهد صغار ماسحي الاحذية التقطهم من ظلال الطرق وقهاوي الخرطوم وتعهدهم بالرعاية والتأهيل فصار اغلبهم (معلمين) وصنايعية مهرة ؛ في الخرطوم هذه كتب (مصعب ) قصة نجاح مثل ( ابابو) لكن اعلامنا لم يكن (سيفو شو) فلم تذهب اليه محطة وإذاعة ولم تختره بالتالي منظمة او جماعة كشخصية سودانية مؤثرة.