تحقيقات وتقارير

زيادة الأجور .. المعادلة الصعبة

أصبح الحديث عن زيادة الأجور أسطوانة تتكرر في كل عام دون أن تجد مستجدات خاصة في ظل الزيادة الكبيرة في أسعار السلع، حيث أصبحت هنالك مفارقة بين الدخل الشخصي والأوضاع المعيشية على الرغم من اعتراف كافة الحكومات بتلك المشكلة، إلا أن الحل بات بعيد المنال مع فقدان المواطن الأمل خاصة ذوي الدخل المحدود.

حيث كشفت دراسة للمجلس الأعلى للأجور أن ما يتقاضاه العاملون في الدولة لا يغطي 20 في المائة من تكاليف المعيشة، وبحسب تشخيص الخبراء، فإن حل المشكلة لا تكمن في زيادة الأجور، وإنما في تغير السياسات المالية والنقدية التي كانت متبعة في عهد النظام السابق، لكي لا تتآكل الزيادات على الأجور من خلال التضخم.

ولكن وزير المالية إبراهيم البدوي أكد أن ضعف مرتبات العاملين في الدولة أدى لضعف الإنتاج، مشيراً للاتجاه لمعالجة الفجوة بين المرتبات ومواكبة تسارع ارتفاع الأسعار، لافتاً لتكوين فريق عمل لمراجعة ومعالجة الأجور، مؤكداً على الوصول لقرارات مبنية على أسس علمية يمكن تطبيقها، قائلاً إن الزيادة وسيلة لزيادة الإنتاجية في الخدمة المدنية.

تكرار الأزمات:

ولم ترفع حكومة النظام المعزول الحد الأدنى للأجور منذ 2013م، بالرغم من استمرار ارتفاع أسعار غالبية السلع، إلا أنها بعد زيادة الاحتجاجات في ديسمبر من العام الماضي أعلنت عن زيادة الحد الأدنى للأجور في موازنة العام ٢٠١٩ بواقع ٥٠٠ جنيه لأقل درجة في هيكل الرواتب و٢٥٠٠ جنيه للدرجات العليا.

ويعاني السودان من ارتفاع في أسعار السلع والخدمات الضرورية، بجانب تكرار أزمات الخبز والوقود والمواصلات ما أدى إلى خروج محتجين للشوارع والإطاحة بالرئيس عمر البشير في أبريل الماضي..

حق شرعي:

وقال الخبير الاقتصادي بروفيسور عثمان سوار الدهب، إن المطالبة بزيادة الأجور تعتبر حقاً شرعياً وعادلاً من ناحية قانونية، ولكنه تساءل: هل هنالك من الإيرادات ما يكفي، مشيرًا أن الإيرادات في الموازنة العامة تقابلها بعض الصعوبات التي تحول دون تحقيق الأهداف العريضة التي تضعها نظراً لوجود معوقات كثيرة ما ينذر بعدم وجود عجز في الموازنة، ومن المعلوم أن تحقيق العدالة في زيادة الأجور يتطلب أن تكون أكثر من 50% من الأجور الحالية، وهذا يشكل ضغطاً كبيراً على الفصل الأول في الموازنة، والذي كان يعاني من كثرة العاملين، وبالتالي الموازنة يكون عليها ضغط في الفصل الثاني الخاص بالتسيير وعلى مشروعات التنمية بشكل عام، مشيراً لتكوين لجنة في العهد السابق خرجت بزيادة الأجور في ظل ارتفاع الأسعار والضط المعيشي، ما كان لها الأثر السالب على المستوى المعيشي بشكل عام، وذلك لارتفاع نسبة الفقر، لافتاً أن معالجة الأمر تتطلب استخدام الحكمة، مشيراً لعدم الإعلان في الوقت الراهن عن الزيادة ما لم تعالج بعض المسائل كالتخفيض في بعض البنود كالصرف السيادي والدستوري يمكن أن تكون إ ضافة لبند مرتبات العاملين .

تأثير سلبي:

وأضاف خلال حديثه لـ(الصيحة) أن المشكلة الحقيقية تتمثل في إمكانات الدولة والوفاء بهذا الغرض، وفي حال تحقيقه من المؤكد سوف يساهم في تحسين الأداء العام للعاملين بالدولة وبالتالي تقليل الفجوة بين تكاليف المعيشة، مضيفاً: لا تكتفي الدولة بزيادة الأجور، فقد تكون هنالك بعض الفجوات التي يكون لديها تأثير سلبي على الأداء العام، فلابد أن يكون هنالك تريث في الإعلان عن الزيادة ومعالجة السياسات بما يمكن أن تحققه في زيادة للإيرادات العامة، وبالتالي تكون قد سعت وعالجت بشكل جذري الفجوة بين الأجور والزيادات بالأسواق.

وأضاف: إذا لم تنجح الموازنة الجديدة في خلق مواعين جديدة لزيادة الإيرادات بخلاف المواعين التقليدية فلن تستطيع أن تحقق الدولة من خلال الإيرادات الحالية وضع موازنة ناجحة.

غياب الرقابة

فيما قال الخبير الاقتصادي د. عبد الله الرمادي أن ربط إنتاجية الموظف بزيادة الراتب هذا ربط غير منطقي وليس بالضرورة أن يحدث، فمن الممكن أن تتم زيادة الراواتب دون وجود زيادة في الإنتاج، ومن المعلوم أن موظف الخدمة المدنية يعتمد على التواكل والإهمال لغياب الرقابة والمحاسبة من الكل، خاصة وأن الرؤساء يحتاجون للمحاسبة هم أنفسهم.

مشيراً خلال حديثه لـ(الصيحة) أن التعويل على الأمر يعتبر خطأ كبيراً، مشدداً على ضرورة زيادة الراتب، لأن واقع الحال يقول إن الرواتب لا تتم زيادتها زيادة سنوية بينما أخذت معدلات التضخم ترتفع مما جعل القيمة الحقيقية لها لا تساوي عشرها، لذا ينبغي تعويض المواطن. مشيرًا أن القضية الحقيقية تتمثل في المحاسبة بالقوة الشرائية ما يلزم الدولة بإعطاء القوة الشرائية للراتب المتفق عليه، ولكن الحقيقة غير ذلك، حيث يتم إعطاؤه أوراقاً نقدية قيمتها الحقيقة صفر، وبالتالي يتطلب الأمر تعويض المواطن، وأوضح: من المفترض على وزير المالية تحقيق العدالة، وليس ربطها بالإنتاجية التي قد لا تتحقق، مشيراً أن تحقيق الإنتاجية يكون بالضبط خاصة مع وجود ترهل في الخدمة المدنية بصورة كبيرة نتيجة للمحسوبية والحزبية، ما كان خصماً على الأداء، وبالتالي لابد من تصحيحها عبر المراقبة وتقليص الأعداد بناء على دراسة ليس على المحاصصة الحزبية والمحسوبية والمعتقدات وتوظيف فائض العمالة في المكان المناسب أو تغطية الفجوات في أماكن أخرى.

تحريك الطاقات:

مضيفاً: لابد من تحريك الطاقات الموجودة في الاقتصاد لفتح فرص عمل للشباب في الخدمة المدنية، وزيادة الإنتاجية لا ترتفع بمجرد زيادة الرواتب، فهذا حديث غير صحيح، ولا ينبغي أن يصدر من وزير المالية.

وأجمع المراقبون على أن زيادة المرتبات لا تتجاوز كونها محاولة لتغطية جزء من التآكل في المرتبات، مشيرين إلى أن حل المشكلة ليس في زيادة الأجور؛ بل في تغيير السياسات المالية والنقدية المتبعة في عهد النظام السابق، خاصة وأن زيادات الأجور السابقة لم تحل مشكلة الارتفاع المستمر في الأسعار؛ لأنها أولاً كانت تدعم فئة معينة وتزيد التضخم.

تقرير: إنصاف أحمد
الخرطوم (صحيفة الصيحة)