بركات!!
وهذا هو اسمه..
أحد أفراد شلتنا الجميلة… في زمان (القنا) الجميل… حيث كل شيء ينضح جمالاً.. ويوم عرسه – بالعسيلات – بُهرنا بروعة الجمال.. جمال القرية… وناسها… وجوها… وزرعها… وكرم ضيافةٍ علق بالذاكرة إلى اليوم..
بل هو كرم إذا حُكي لجيل هذا الزمان لما صدقوه..
حيث علمتهم الإنقاذ أكل (البوش)… والعجور بالشطة… والعيش بطعمية (العيش)..
وحيث الاكتفاء بوجبة واحدة… عوضاً عن ثلاث..
وحيث نغمة مناسبات الزواج المعتادة – وسمعتها البارحة مرتين – (العشاء قطع)..
فيوم زواج بركات ذاك ما كان هنالك شيء اسمه (كوكتيل)..
وإنما الطعام بصوانٍ كبيرة ؛ يكاد محيط إحداها أن يبز محيط صينية المرور.. ثم لا وجود لعبارة (ناقصكم شنو؟)… ذات الكرم.. وإنما الكرم هناك يبلغ حد أن تُؤخذ الصينية بكاملها… وتُوضع أخرى محلها..
ومع خيوط الفجر نُفاجأ بجرادل الزلابية مع الشاي..
فنحن لم نرجع في يومنا ذاته كما خططنا… إذ حال دون ذلك قسم (الطلاق)..
وحتى إن لم يكن هنالك قسم لما رجعنا ؛ ربما..
فمغريات العسيلات الجمالية أنستنا زحام الخرطوم… وضجتها… وتوتر أعصابنا..
وكان هناك شيخٌ كبير ؛ ظل عالقاً بالذاكرة أيضاً..
فهو خليط من فيلسوف… وعراف… وحكيم… ومتنبئ ؛ رغم أعوامه التسعين..
وكان يجلس بعيداً ؛ لا يشاركنا طعاماً… ولا حديثاً..
أو يتحدث فقط حين نرفض – بحياء مصطنع – وضع صينية أخرى مكان الأولى..
ثم لا يزيد عن ترديد جملة واحدة حفظناها عن ظهر (شبع)..
والإنسان عندما يكون شبعاناً يحفظ جيداً ؛ الكلام…. والدروس…. والمواعظ.. بعكس الجائع ؛ كحال طلاب أيامنا هذه… أيام الإنقاذ.. فنحن ما زلنا نعيش آثار أيامها بؤساً… وفقراً… وضنكاً ؛ رغم انقضاء أيامها..
وهي – حتماً – الأيام التي عناها شيخ العسيلات ذاك..
فقد كان يحثنا على الأكل قائلاً بصوت راجف (كلوا ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً).. ثم يضيف (فزمانٌ سيء مقبلٌ نحوكم… أو مقبلون أنتم نحوه)..
وجاء زمان الإنقاذ ؛ زمان فرعون… وأُخذ الناس بالسنين ونقص من الثمرات..
وفرعون هنا هو البشير ؛ وله (هامان) أيضاً..
وأكل الناس ماء الفول… وما الجبن… وما الكسرة ؛ وغاب عن وجوههم ماء الحياة..
بينما فرعون وهامان وجنودهما يستمتعون بماء المسابح..
وستظل صور أحدهم داخل مسبحه – قبل أيام – عالقة بذهني كيوم العسيلات..
وما ذاك إلا لأنه كان من أشدهم تظاهراً بالزهد..
رغم إنهم جميعاً كانوا يصرخون بالدين… وشعاراته… ومقولة (ما لدنيا قد عملنا)..
ثم يشبعون ويمرحون ؛ والناس يجوعون ويبتئسون..
والآن مضى زمان القنا… وزمان الإنقاذ… وزمان (السنين)… ونعيش زمان الثورة..
ولكن لا تزال آثار (سنين) الإنقاذ هذه بادية إلى اليوم..
بادية في معاش الناس… ووجوه الناس… وحديث الناس… ومناسبات أفراح الناس..
وما زالت تصدق فينا نبوءة ذلكم الشيخ… من العسيلات..
وإن لم تمح حكومتنا هذه الآثار – وتقتفي أثر الثورة – سيبقى الحال كما هو..
لا فرح… لا رضا… لا أمل… ولا صينية زمان..
زمان صواني أيام القنا… وعبري… وبارا… وجبيت… وربك… وشنقل طوباي..
زمان الثمرات… والخيرات… والبركات..
وزواج بركات !.
بالمنطق – صلاح الدين عووضة
صحيفة الإنتباهة