بين المحاور الإقليمية .. هل يسير السودان بتوازن؟
حمدوك: “نؤمن بأن العلاقات بين الدول ينبغي أن تُبنى على أساس خدمة المصالح المشتركة والتعاون الإيجابي من أجل مصلحة الشعوب”.
على مدار شهر ونصف، هو عمر حكومة عبد الله حمدوك، يبدو أن الحكومة السودانية تتخذ منهجًا مغايرًا في سياستها الخارجية بالمحيطين الإقليمي والدولي، مقارنة بسياسات نظام الرئيس المعزول، عمر البشير (1989: 2019).
حين أعلن حمدوك عن وزراء حكومته، في 4 سبتمبر/ أيلول الماضي، أرسل رسالة للجميع بشأن السياسية الخارجية قائلًا إن “سياستنا الخارجية مبنية على الاحترام المتبادل ومصلحة السودان”.
وأمام الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، في الثلاثين من الشهر نفسه، قال حمدوك: “نؤمن بأن العلاقات بين الدول ينبغي أن تُبنى على أساس خدمة المصالح المشتركة والتعاون الإيجابي من أجل مصلحة الشعوب”.
ما أعلنته الحكومة، بحسب مراقبين، لا يختلف عما يتم على أرض الواقع من حراك دبلوماسي يستهدف “فك العزلة”، و”طمأنة دول الجوار”، و”مد التواصل مع المجتمع الدولي”، بحسب تصريحات لمسؤولين بمجلسي السيادة والوزراء السودانيين.
يقابل ذلك تأكيد متواصل على علو مصلحة السودان وشعبه، بالابتعاد عن سياسة المحاور، وهو ما يراه خبراء السبيل الوحيد للعبور من أية تجاذبات قد تضر بالدولة الباحثة عن استقرار سياسي واقتصادي.
وتحت وطأة احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية وغياب الحريات السياسية، عزلت قيادة الجيش، في 11 أبريل/ نيسان الماضي، البشير من الرئاسة.
تأكيد الحكومة الانتقالية على التوازن، والبعد عن المحاور، هو أحد بنود وثيقة “إعلان الحرية والتغيير”، التي على ضوئها توحدت أحزاب سياسية وتجمع المهنيين وقوى مدنية، وقادت الحراك الاحتجاجي حتى الإطاحة بالبشير وبدء مرحلة انتقالية.
وبدأت في 21 أغسطس/ آب الماضي مرحلة انتقالية تستمر 39 شهرًا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى التغيير.
** المصالح المشتركة
حددت حكومة حمدوك أولياتها للفترة المقبلة، وهي: “وضع سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة، وتعمل على تحسين علاقات السودان الخارجية وبنائها على الاستقلالية والمصالح المشتركة، بما يحفظ سيادة البلاد وأمنها وحدودها”.
لا يبدو ذلك سهلًا في ظل تشابكت إقليمية ودولية معقدة، لكن مراقبين يرون إمكانية تحقيقه عبر عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، والنأي عن أي صراع بين أطراف إقليمية، وعدم الانحياز لمحور دون غيره.
وهو ما وضح، وفق مراقبين، في التحركات الدبلوماسية لمجلسي السيادة والوزراء، خاصة فيما يتعلق بالمحور السعودي- الإماراتي- البحريني – المصري في مواجهة قطر، في ظل أزمة خليجية متواصلة منذ يونيو/ حزيران 2017.
هذا الانقسام الخليجي لم يمنع الحكومة السودانية من التواصل مع المحورين، حيث التقى حمدوك، في الخرطوم الخميس الماضي، مع السفير القطري، عبد الرحمن بن علي الكبيسي، وبحث معه قضايا التعاون الثنائي.
وسبق ذلك لقاءات للسفير القطري مع رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
كما التقى حمدوك بأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي.
ووصل المبعوث القطري، مطلق القحطاني، إلى الخرطوم، في 9 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، والتقى البرهان ومسؤولين آخرين، ودعا البرهان وحمدوك لزيارة الدوحة.
هذا النشاط الدبلوماسي السوداني تجاه الدوحة لا يخل بالتوازن المطلوب، إذ قابله حراك مماثل تجاه المحور السعودى الإماراتي، حيث زار البرهان وحمدوك السعودية والإمارات، بين 6 و9 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، والتقيا قادة البلدين وبحثا سبل التعاون.
** ملف اليمن
حاليًا، تبدو قضية القوات السودانية في اليمن هي الأكثر حساسية، وهي تقاتل ضمن تحالف عربي تقوده السعودية، وينفذ منذ 2015 عمليات عسكرية باليمن، دعمًا للقوات الحكومية، في مواجهة قوات جماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، المدعومة من إيران، والمسيطرة على محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ 2014.
المكون العسكري في مجلس السيادة، من البرهان ورفاقه، حدد موقفه مبكرًا بأن القوات السودانية باقية في اليمن.
بينما يرى الشركاء المدنييون في مجلسي السيادة والوزراء أن هذا الملف مرتبط بقرار من المجلس التشريعي (البرلمان) المنتظر تشكيله لاحقًا، وفق الاتفاق بين المجلس العسكري (المنحل) وقوى التغيير.
هذا الملف ربما تتوقف عليه علاقة السودان مع المحور السعودي الإماراتي، الذي أعلن دعمه لحكومة حمدوك، فأي تراجع سوداني في مسألة القوات ربما يؤدي، بحسب مراقبين، إلى توتير العلاقات.
وقال المتحدث باسم مجلس السيادة، محمد الفكي سليمان، للأناضول في وقت سابق، إن “مشاركة القوات السودانية في اليمن أثارت جدلًا واسعًا في الفترة السابقة”.
وأضاف: “أعتقد أن الجدل متصاعد بسبب الانقسام العربي الأخير.. عندما شاركنا في اليمن، شاركنا كقوات عربية موحدة، وكان بها عدد من الدول العربية التي خرجت عقب الانقسام الخليجي الأخير، وبعدها شهدنا هذه المساجلات”.
وتابع: “الدخول في الحرب قرار صعب، كما أن الخروج منها يحتاج إلى عدد من الترتيبات (…) هذا القرار يُدرس وتتم مناقشته بصورة مستمرة في كافة مستويات الحكم، وسيتشكل المجلس التشريعي قريبًا ليقول كلمته الفصل”.
** الأزمة الاقتصادية
رأى عبد المنعم أبو إدريس، صحفي ومحلل سياسي، أن حكومة حمدوك، بكل مكوناتها العسكرية والمدنية، ماضية في سياسة خارجية متوازنة، وهو ما ثبت خلال الفترة القليلة الماضية.
واستبعد أبو إدريس، في حديث للأناضول، أن تميل الحكومة إلى أي محور، باعتبار أنها وضعت أسس للتعامل مع المحورين، ولا يوجد خلل قد يؤدي إلى تعكير تلك الإجواء الإيجابية.
وتابع: لا أعتقد أن تواجد القوات السودانية في اليمن قد يكون سببًا في تباعد علاقة الحكومة مع المحور السعودي الإماراتي، فالقضية (اليمنية) تمضى نحو تسوية سياسية، ولم يعد الدور العسكري كبيرًا.
واستطرد: “بإمكان الحكومة أن تستمر في علاقتها الجيدة مع المحورين السعودي الإماراتي والقطري، وتحافظ على ذلك الوضع”.
واستدرك أبو إدريس بأن “الأزمة الاقتصادية في البلد قد تؤدي إلى علاقة أفضل مع أحد المحورين، وذلك يتوقف على الدعم الذي يجده السودان من محور أو آخر، لكن لن تسوء العلاقة بأي من المحورين، فالحكومة حددت هدفها بالانفتاح عليهما”.
** مجرد استشكاف
إلا أن أنور سليمان، كاتب ومحلل سياسي، رأى أنه “من المبكر الحديث عن علاقات خارجية متوازنة”.
واعتبر سليمان، في حديث للأناضول، أن “ما تم من لقاءات دبلوماسية هو مجرد استكشاف للعلاقات بين السودان وتلك الدول”.
وأضاف “كل لقاءات المسؤولين السودانيين مع قادة الدول الأخرى لم تخرج عن البروتوكول العادي، فليس هناك مباحثات أو موقف مشترك.. وحتى زيارات البرهان وحمدك للإمارات والسعودية لا يمكن أن يُبنى عليها موقف”.
وقطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، بزعم دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة وتتهم الرباعي بالسعي إلى السيطرة على قرارها الوطني.
وكالة الاناضول