حوارات المستقبل
حوارات المستقبل
الإصلاح المستدام
وكلمة الإصلاح صارت كلمة ذات جاذبية كبيرة بعد أن أدرك عامة الناس أن الحاجة تمس للإصلاح السياسى حتى تكاد تكون ضرورة الوقت التى لامعدى عنها ولا إبتعاد. والسياسة إنما أريد بها الإصلاح إبتداء. ومهما اختلف الناس في تعريف السياسة فان علماء السياسة الإسلاميين يعرفون السياسة بأنها سلطة ولي الأمر في التصرف بالسياسة لدرء المفاسد وجلب المصالح. ما يعني أن السياسة هي قيام صاحب السلطة أو النفوذ باستخدام السلطة والنفوذ لصرف المفاسد ومحاربتها وجلب المنافع وتكثيرها . وممارسة السياسة ليس شيئاً آخر سوي الإصلاح . والإصلاح كما قدمنا نسق مستمر من أعلي بممارسة كل صاحب سلطان ، ومن أدني بممارسة كل مواطن احتساباً وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ودعوة إلي الخير . وهو نسق مستمر يتوجب أن يمُارس بغير هوادة ولا تهيب ولا تردد . والتوقف عنه من صاحب السلطان خيانة للأمانة . والتوقف عنه من الناس العاديين مجلبة لفساد الأمر وغضب الرب. ولا يجب أن تنظر جماعة إلي عملها فيسرها فتحسب أن ذلك هو غاية الأرب ونهاية الطلب . ذلك أن كل صالح قابل للإفساد وكل فساد قابل للإصلاح . وهذا قانون من قوانين الحياة العضوية “وفي أنفسكم أفلا تبصرون” . فما الحياة العضوية في أجسامنا إلا معركة دائبة بين الإصلاح والإفساد . فإذا عجز الجسد عن مواصلة الإصلاح بغير هوادة جاء الأطباء فأطلقوا علي ذلك ظاهرة عوز المناعة المفضية إلي الهلاك المبين. وكذلك المجتمعات ما لم تتواصل فيها الدعوة للإصلاح والعمل له فانها ستعاني من عوز المناعة ضد الفساد . وحينئذ يعم الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس . ومقتضى دعوه الإصلاح ليس هو درء الفساد فحسب ، وإنما استدامة سلامة المجتمع ومؤسساته ، وإكسابها القدرة علي التحقق بالمزيد من الصلاح. والقرآن جعل الإصلاح سمة للأمة المسلمة ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) فالأمر بما يعرفه الناس صلاحا والنهى عن ماينكره الناس ويرونه فسادا هو ما يجعل الأمة ذات ميزة على سائر الأمم الأخرى. وقيام كل أفراد الأمة بهذه المهمة التى هى إستدامة سلامة المجتمع من الفساد، بتحصينه بالمزيد من الصلاح مرة بعد مرة ، هو ما تمتاز به الفكرة الإجتماعية الإسلامية على سائر فلسفات المدن الفاضلة والمجتمعات المتحضرة. ولئن كان مسمي السياسة قد صار في ما يتصوره المتصورون ويشيع بين العامة تصورا اقرب للتنازع والصراع علي السلطة والمواقع فان إصلاح الفهم بإعادة معني السياسة ليكون مرادفاً لدرء المفاسد وجلب المصالح هو بداية الإصلاح علي مستوي التصور قبل اصلاحه علي مستوي العمل ثم تأتى الإستقامة من بعد صراط الحق المبين.
أمين حسن عمر