مفخرة الحضور السوداني في الأمم المتحدة
حالة من الزهو الشعبي ممزوجة بالفرح والتفاؤل عمت أوساط السودانيين، بعد المشاركة المشرفة والحضور الباذخ لوفد بلدهم، بقيادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول). ولم يأت هذا الزهو من فراغ، بل نتيجة شعور عارم لدى السودانيين والسودانيات بالانتماء مجدّدا إلى الأسرة الدولية، وكأنهم قد بعثوا من جديد بعد ثلاثين عاما من العزلة الإجبارية المريرة التي فرضت على السودان، دولة منبوذة ومغضوبا عليها بفعل السياسات الداخلية والخارجية غير الرشيدة لنظام الحكم السابق. وسبب آخر للفخر هو شعور الانتماء للقيادة التي أحس السودانيون، لأول مرة، أنها تمثلهم وتفهمهم وتتحدث بلسانهم، وتعبر عن أشواقهم لدولة مدنية حديثة، تحقق طموحاتهم في بزوغ فجر سودان جديد، مبني على شعارات الثورة السودانية من الحرية والسلام والعدالة، فقد أفلح رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك، تماما في إعادة صياغة الصورة الذهنية للقائد السوداني، بشخصيته الآسرة التي تتمتع بالكاريزما والهيبة والمعرفة والخبرة، ممزوجة بابتسامة وضيئة وحضور رصين.
هذه المكاسب المعنوية الكبيرة التي تحققت تجدّد ثقة السودانيين في قيادتهم الجديدة التي جاءت عن طريق الشرعية الثورية، كما أنها تعمل على إذكاء وهج روح الثورة متقدا. ولذلك لا تقل أهمية عما تحقق من مكاسب ملموسة أخرى، أبانت بجلاء ساطع انبهار المجتمع الدولي بثورتهم المجيدة واعترافه بنتائجها وجاهزيته لدعم السودانيين لقطف ثمارها ناضجة غير منقوصة. ومن أجمل ما قاله حمدوك في هذه المناسبة “أقف أمامكم هنا ممثلا لإرادة الشعب السوداني”، و”الشعب
“أفلح حمدوك تماماً في إعادة صياغة الصورة الذهنية للقائد السوداني”
السوداني لم يكن راعياً أو داعماً للإرهاب، بل هو النظام السابق الذي انتفض وثار عليه الشعب حتى خلعه هو من كان داعماً للإرهاب”. وكذلك مطالبته الحاسمة والمشروعة، في كل خطاباته، بإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وقد أفلح حمدوك في تقديم وجه السودان الجديد للعالم، واستعراض خطة عمل الحكومة الانتقالية وأولوياتها، وما تلا ذلك من مناصرة ودعم غير مسبوقين من المجتمع الدولي لمساعدة السودان، وكسب الدعم السياسي القوي له، خصوصا فيما يتعلق بإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والوعود من المانحين والمؤسسات المالية الدولية لمساعدة السودان على تحقيق أهداف الثورة والمطلوبات الاقتصادية والتنموية للمرحلة الانتقالية.
وقد عقد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، فعالية رفيعة المستوى مخصصة للسودان، بمشاركة ممثلي أكثر من 80 دولة و20 منظمة دولية، وأعرب عن إعجابه الشديد بما تم تحقيقه من تغيير في السودان، ودعا إلى رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، ودعم التنمية لإنجاح التجربة الديمقراطية. وقال إن الأحداث التي شهدها السودان أخيرا، وتوّجت بإنشاء حكومة بقيادة مدنية “كانت أحداثا استثنائية من نوعها”، ووصف عملية الانتقال في السودان بأنها مثيرة للإعجاب. ونادى بضرورة دعم المجتمع الدولي، لتسهيل ظروف نجاح التجربة السودانية وبالإزالة الفورية لاسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، ورفع العقوبات، ودعم التنمية في البلاد.
وإلى ذلك، وقعت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، اتفاقية مع حكومة السودان، لفتح مكتب لحقوق الإنسان تابع للأمم المتحدة في الخرطوم، ومكاتب ميدانية في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وشرق السودان، وذلك استجابة لما ورد في الوثيقة الدستورية بشأن تسهيل مهمة المبعوث الأممي للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، في بابقضايا السلام الشامل. وهذه خطوة كبيرة لدعم مرحلة الحكم الانتقالي في السودان، خصوصا في مجالات مهمة، كما جاء في البيان الصحافي الذي أصدرته المفوضية، وهي تمكين المرأة ومحاربة عدم المساواة ودعم تطوير سياساتٍ تساعد على توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لها والإصلاح القانوني والمؤسسي لمساعدة الحكومة على جعل التشريعات المحلية متوافقةً مع التزاماتها الدولية، بالإضافة إلى تعزيز مبادئ العدالة الانتقالية لدعم المساءلة والمصالحة والتعايش السلمي بين كل أطراف المجتمع. ويؤمل، من خلال هذه الاتفاقية، حل ما تسمّى حاليا المفوضية القومية لحقوق الإنسان، وإعادة هيكلتها، فمن المعروف أنها إحدى الأذرع التي شكلها النظام السابق، بغرض إضفاء غطاء شرعي لجرائمه، ولفبركة الحقائق ومحاباة النظام والتستر على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وما التقرير الذي أصدرته هذه المفوضية أخيرا عن مجزرة فض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم إلا دليل آخر على عدم نزاهة هذا الجسم “الكيزاني”، وانتفاء مصداقيته، بامتياز.
وكان مهما قول رئيس الحكومة، حمدوك، إنه “لن يتعرّض أي صحافي في السودان الجديد
كان مهما قول حمدوك “لن يتعرّض أي صحافي في السودان الجديد للسجن أو القمع”
للسجن أو القمع”، وذلك عقب توقيع السودان على التعهد الدولي للدفاع عن حرية الإعلام. وقالت ممثلة الحكومة البريطانية في الاجتماع، أمل كلوني، إن “حرية التعبير من أساسيات القيم الديمقراطية، وإن توقيع السودان على التعهد الدولي للدفاع عن حرية الإعلام يشير إلى رغبة صادقة من الحكومة الانتقالية لتحقيق تغيير جذري، يشمل احترام حقوق الإنسان وحق التعبير”.
وقد أثارت الزغرودة التي انطلقت في أثناء إلقاء حمدوك كلمة السودان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك التي بعد انتهائه، جدلا في وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض لها، فمن يقول إن مكانها ليس أروقة الأمم المتحدة والاجتماعات الرسمية باعتبارها “دقّة قديمة” ومؤيد لها رمزا للاحتفاء وطقسا من الطقوس السودانية الأصيلة، المعبرة عن الفرح والزهو والانتصار. وبغض النظر عن هذا الرأي وذاك، انحصر التركيز على هذه الزغرودة، وانحصرت كاميرات التصوير على لقطات لدبلوماسيات سودانيات يجلسن على المقاعد مستمعات لما يجرى أمامهن في القاعات الفسيحة في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، باستثناء صورة لوزيرة الخارجية السودانية، وهي توقع على اتفاقية مع مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. ومن خبرتي في العمل سنوات مع المنظمات الدولية، أستطيع أن أرى بوضوح ما دار خلف الكواليس من عمل دؤوب ومشاركات إيجابية وفعالة للوفد النسوي المرافق لحمدوك، فهن لم يكنّ هنالك للزغاريد، وإنما باعتبارهن دبلوماسيات وسفيرات عريقات في السلك الدبلوماسي فترة تزيد عن الثلاثين عاما. وقد علمت من مصادري أن دورهن كان كبيرا في الإسهام مع بقية الوفد في صياغة الرسائل السياسية وترتيب الأولويات في خطابات حمدوك والتحليل السياسي، وفي الترتيب والمشاركة في اللقاءات مع ممثلي الدول المختلفة، وفقا لأجندات معينة وتحليل سياسي رصين، مثل وزن الدولة في صناعة القرار السياسي الدولي، أو القوة الاقتصادية للدول لمساعدة السودان في المرحلة المقبلة، وغيرها من إسهامات قد تكون غير مرئية ومعلومة لكثيرين. وقد قالت وزيرة الخارجية، أسماء عبدالله، إن طلبات كثيرة كانت من دول وجهات مختلفة للقاء وفد السودان، ولعامل الوقت، كان لا بد من الاختيار، وفقا لمعايير تخضع لاعتبارات وتحليلات سياسية معينة قامت بها أساسا سفيرات الوفد، وقد عقد حمدوك 55 لقاء ثنائيا، وعقدت الوزيرة 50 لقاء.
وبذلك أرسلت مشاركة هؤلاء السفيرات في منبرٍ كالأمم المتحدة رسالة قوية إلى المجتمع الدولي،
“أرسلت مشاركة السفيرات في منبرٍ كالأمم المتحدة رسالة قوية إلى المجتمع الدولي”
وعكس صورة مشرقة للدبلوماسية السودانية، وذلك عدا المشاركة المشرّفة لزوجة رئيس الوزراء، منى عبدالله، ومقابلاتها العديدة مع شخصيات مهمة، وكان أبرز ما تم تداوله لقاء لها مع مدير المنظمة الدولية للعمل، حيث ناقشت معه سبل البحث عن فرص لتوظيف الشباب السوداني. وعلى خلاف ما كتبه بعضهم في وسائل التواصل الاجتماعي من تساؤلات عن أي صفة لها لتقوم بهذا الدور، أقول إن السيدة الأولى في الدول المتقدمة تقوم بأعباء كثيرة، وتطلق مبادرات عديدة، ويكون لها مكتب خاص ومستشارون ومساعدون. والمأمول أن يستفاد من التأهيل الأكاديمي والخبرة المهنية العالية للسيدة منى عبدالله في إيجاد مبادرات وأنشطة ومشاريع لبناء السودان الجديد، وخصوصا بشأن المرأة والشباب. وربما ما أثلج صدور النساء السودانيات عموما تأكيد حمدوك على الدور الريادي الذي قامت به المرأة السودانية في الثورة، وحديثه عن عزم حكومته على إزالة كل أشكال التمييز المؤسسي والاجتماعي ضد المرأة.
العربي الجديد
وينو الحضور المفخر ده ؟ امكن احنا عميانين ولا شنو