ضياء الدين بلال: (شغل خم)!!
-1- قبل أيام اطّلعت على تصريح لرئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، وهو يُقدِّم نسبة رقمية لعدد المدارس المُتضرِّرة من السيول والفيضانات.
قلت لنفسي: ترى إلى أيِّ مدىً سيثق دكتور حمدوك في الأرقام والنسب المُقدَّمة إليه من كل أجهزة الدولة؟!!
كثيرون يرون أن الخطر الأكبر المُهدِّد للحكومة الانتقالية، ما يطلق عليهم الدولة العميقة!
يقصدون بذلك منسوبي حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية داخل أجهزة الدولة.
بعيداً عن الجدل في وجود دولة عميقة أو مُوازية، أجد ما هو أخطر على حكومة حمدوك، والتي تليها من حكومات، وأودت بنسبةٍ كبيرةٍ لفشل الحكومات السابقة، وجود ثقافة ديوانية سالبة مصدرها ثلاثي الأبعاد: الفساد وضعف الكفاءة واللامبالاة.
وأوضح مثالاً لتلك الثقافة الديوانية، يتمثَّل في جزافية الأرقام والنسب، التي تُبنى عليها السياسات، وتُتَّخَذُ على هديها القرارات.
-٢-
للأسف، مُعظم الأرقام والنِّسَب التي تُعبِّر عن أوراق الجهات الرسمية إلى الوسائط الإعلامية أو تُرفع لكبار المسؤولين، تأتي مُحاطةً بالرّيبة والشكّ، ومُبلَّلةً بالظنون.
لا تُوجد جهةٌ ذاتُ مصداقية عالية ودقَّة موثوقٍ بها، يُمكن التعامل مع أرقامها ونسبها، دون أن يكون في النفس شيءٌ من (حتى ولكن)، إضافة إلى كُلِّ أدوات التعجب وعلاماته!
في مرَّات كثيرة، تخرج من جهة واحدةٍ مع تعدُّد المُتحدِّثين باسمها، أرقامٌ ونسبٌ مُتناقضةٌ ومُتباعدةٌ إلى مدى الدَّهشة والحيرة.
من يستطيع أن يحسب على وجه الدِّقة حجم منتوج سلعة مُهمَّة وحسَّاسة، ولا تحتمل جزافية الأرقام، مثل سلعة الذهب في التعدين الأهلي. هل هو 1002 طن أم 2000 طن؟!
الرقمان وردا في تقارير رسمية!
قبل أكثرَ من عام، ذكر رئيس الجانب السوداني (التجاري) عقب اجتماع مع رصيفه المصري، أن عدد الشّقق المملوكة لسودانيين في مصر يُقدَّر بـ (600) ألف شقة بقيمة (18) مليار دولار!
لم يذكر الرجل مصدر هذا الإحصائية الخطيرة، هل هو سودانيٌّ أم مصري؟ ربما غاب عنه ما سيترتَّب على الرّقم من تصوُّرات، وما سيَنتج عن ذلك من قناعات، قد تستدعي إصدار قرارات مُهمَّة.
صديقنا الطاهر ساتي، ذكر في عموده المقروء، بعض المنظمات والجهات المحلية ذات الصلة بالمنظمات الدولية، تُقدِّم أرقاماً فلكية، على أنها نسب الأوبئة والأمراض في البلاد بغرض زيادة ميزانيتها.
أورد ساتي أن مرفقاً حكومياً قال مديره ذات عام وبالنص: (نسبة الإصابة بداء الفيل 50%)، لاستقطاب دعم منظمة الصحة العالمية.
قبل انفصال جنوب السودان، ذكر وزير الداخلية أثناء مُناقشة خطاب الميزانية أن الخرطوم بها (48) فصيلاً مُسلَّحاً!
?
في منزل السفير علي يوسف، في واحدةٍ من مناسباته الاجتماعية بداره العامرة، كان رجل أعمالٍ معروف، يتحدث عن تجارب مريرة مع المعلومات المضروبة أو غير الدقيقة.
ذكر تجربةً له مع الاستثمار الزراعي في واحدة من الولايات: الأوراق الرسمية تؤكد بالخرائط أن المساحة الصالحة للزراعة مائة ألف فدان.
عندما شرع رجل الأعمال في بداية العمل مستعيناً بخبرات أجنبية، اكتشف أن المساحة الصالحة للزراعة لا تتجاوز العشرين ألف فدانٍ فقط.
فَسَّر رجل الأعمال الأمر بأن كُلََّ مسؤول يرفع إلى رئيسه معلومات مُضخَّمة حتى يُثبت جدارته بالموقع أو أنه فأل خير على الحكومة!
-4-
قبل سنواتٍ، ذكر وزيرُ تجارةٍ من حزب مشارك في السلطة أن جملة صادرات البلاد من الصمغ العربي بلغت ثلاثة مليارات دولار خلال ثلاثة أشهرٍ فقط!
قبل مُغادرته الموقع بأسابيع، صرَّح وزير المعادن الأسبق، بأن الحكومة الأسترالية قدَّمت عرضاً استثماريَّاً للسودان بـ(11) مليار دولار منها (7) مليارات وديعة نقدية!!!
أما الوزير الذي كان قبله فقد جاء بشركة روسية، وعَدَتْ بتقديم (5) مليارات دولار للحكومة السودانية على ضمان الذهب!
كُلُّ ما سبق، أثبتت الأيام أنه أرقامٌ وهمية لا أساس لها من الصحة، بعضها مُترتِّب على انخفاض مستوى الكفاءة في التعامل مع الأرقام، أو نتاج ضعف الضمير المهني، وربما نتاج الاثنين معاً!
-5-
القاسمُ المُشترك بين كُلِّ تلك الروايات واحد من اثنين: عدم صحة الأرقام والمعلومات، أو عدم دقتها.
تفسيري لذلك: تُوجد ثقافةٌ ديوانيةٌ متوارثةٌ في أجهزة الحكم تقوم على خداع المسؤولين بالمعلومات والأرقام غير الصحيحة.
قد يكون الدَّافعُ لذلك تحايُلِيَّاً، لغرض مُتعلِّقٍ بالفساد، ولكن في الغالب هو نتاج كسلٍ روتينيٍّ راسخ في تلك المؤسسات، وعجزٍ عن التحقُّق من صحة المعلومات والأرقام.
لا نبرِّئ أنفسنا في مهنة الصحافة، نحن كذلك نعاني من مشكلة مزمنة مُتعلِّقة بعدم وجود حساسيِّة تَدقيقيِّة في التَّعامل مع الأرقام.
السببُ الأساسيُّ الذي أدَّى إلى تلك العاهة المُزمنة، والقصور الدائم في أداء المؤسسات العامة، هو عدم وجود جهات فنية ذات اختصاصٍ وكفاءةٍ عالية، دورها وصلاحياتها التحقُّق من صحة المعلومات والأرقام والنِّسَب التي تَرِدُ في التقارير الرسمية، عبر وسائل علميَّة حديثة ومُواكبة، لا تقليدية ومُتَسيِّبة، فالجهاز القومي للإحصاء لا يجد الدعم اللازم بالمال والكفاءات.
لن تستطيع الحكومة تحقيق نجاح في إدارة الشأن الاقتصادي وتجنيب البلاد الأزمات، إذا لم تَرتَكِز على قاعدة معلومات صحيحة وأرقام حقيقية غير مُزيَّفة بغرض أكل أموالها بالباطل أو نتيجة كسلٍ وتراخٍ ولا مبالاة.
-أخيراً-
لا بدَّ للحكومة أن تقوم بمراجعة غرابيلها الرقابية، حتى تحجب عن متخذ القرار المعلومات والأرقام غير الصحيحة؛ فمن أهمّ قواعد الإدارة: (ما لا يُمكِن قياسه لا يمكن إدارته).
ضياء الدين بلال
السؤال المهم هو نهج دولة العلم والحوسبة والاحصاء والعمل الميدانى المتخصص وكيفية التحليل واخذ المعلومه وتحليل ورفعها للمسئولين وهذه ليس بصعبه ولكن اين ذلك النهج العلمى المدروس ولديك اجسام موجودة المحليات والمجالس وديوان المحلى وكلها اجسام نايمه عاوزه يرفع لهم التقارير وهم نايمين وعليه لا بد من العمل الميدانى وتكون لجنة الاحصاء والتدقيق مرافقه لتلك الحوادث ومراجعتها واحصائها واين ناس الاحصاء الاقتصادى وولاية الخرطوم والاعلام ويعنى مؤسسة داخل مؤسسة ولجان داخل لجان والبلد ما عاوزه اجسام كثيره بلا عمل وعشان كده البلد متدهوره واى زول ما عارف شغله ومافى منهجية فى تقسيم الادوار والمهام بالثصورة العلمية والتقارير اليومية الصحيحة وبارمج يومية واسبوعية معدومه ورق مكتوب بلا طحين والله المستعان واين دوله العلم والمعرفه والتقييم والاداء ؟
السؤال الاهم ماهي رؤية حكومة الكفاءات للكم الهائل من التردي في كل القطاعات بكل استثناء تبني الحكومة لرؤية موحد ومشتركة بعدها يأتي دور تنفيد هذه الرؤي بمشاركة موسعة من اي قطاع او افراد لتنفيذها . (( من ضمن الرؤي قد يكون اي شخص او اي قطاع لايتسق او يعيق عملها متضمنه حلول مثل هذه الاشكالات ان كان بابعاده او غيرها من الحلول ))
برامج عمل الوزراء عبارة عن اجتهادات فرديه بدون رؤية واضحة والاهم تمسي تصبح بلعن الكيزان لانهم اساس كل التدهور ,,, كل الشعب السوداني اتفق في هذا وكانت الثورة تم الاستعانة بوزارء الكفاءات لوضع خطة واضحة لمحالة انتشال التردي ,, اما انهم يلعنو الكيزان وبس ,,
نحتاج خطة وااااااااضحة ويتم تنفيذها بطريقة ((التيم وورك)) كل شخص يعرف مايفعلة ,, حتي يتجنبوا المواضيع الجانبية والانصرافية.
كل مؤسسات الخدمة المدنية والانظامية والمنظمات المدنية والخيرية والكيانات المهنية بحوجة ماسة الى اعادة هيكلة وبناء قدرات والاهم من كل ذلك الااتزام بالشفافية ووجود اليات واضحة وملزمة للمراجعة والمساءلة .. والامر لايتعلق بزيد او عبيد فليذهب من يذهب و البقاء للاصلح.