أحرسوها!!
:: بعد أن كان يُدافع عن الثورة بحماس، ويتحدث عن أهدافها بطلاقة وسلاسة، تفرغ القيادي بقوى الحرية والتغيير مدني عباس مدني للدفاع عن نفسه، وللحديث عن وزارته المرتقبة، وهذا ما لا يرضاه الثوار لأحد أيقونات ثورتهم.. وعلى سبيل المثال، في حوار رائع بعدد الأمس، بهذه الصحيفة، سأله الأخ فتح الرحمن شبارقة: (كان هناك اتفاق يقضي بعدم مُشاركة الحزبيين وأعضاء وفد التّفاوُض في مُؤسّسات الحكم، ولهذا تم سحب ترشيح طه عثمان من السيادي، فلماذا تمّ الدفع بك أنت؟ أليست هذه ازدواجية في المعايير؟).
:: وللأسف، لم يكن رد مدني مُقنعاً ولا منطقياُ، إذ قال بالنص: (عدم الزَّج بأطراف التفاوُض لم يكن قرار الحُرية والتّغيير، ولا يُوجد في أيٍّ من بياناتها أو إعلانها، يرى البعض أنّ هذا يُمثل تعارُض مصالح وذلك يتعارض.. ومن ناحيةٍ أخرى، تجمُّع المهنيين أعلن عدم مُشاركته إلا في المجلس التشريعي، وأنا من تجمُّع القوى المدنية الذي لم يلزم نفسه بذات القرار، ولكن أتفهّم وجهتي النظر وحرصهم في النهاية على مصلحة الثورة).
:: للأسف هذا الحديث غير صحيح، إذ يُمكن لأي قارئ أن يُخرج أكثر من تصريح – لأكثر من قيادي بقوى الحرية والتغيير وبتجمع المهنيين – يجزم بعدم تشكيل حكومة المحاصصات السياسية، مع التأكيد على إبعاد أعضاء قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين عن التشكيل الوزاري، وكذلك بعدم إشراك أعضاء الوفد المفاوض مع المجلس العسكري في التشكيل الوزاري .. كل هذه التصريحات موثقة، بكل وسائل الإعلام، وليس بالضرورة أن تكون موثقة في الوثيقة الدستورية.
:: نعم، عدم الزج بأطراف التفاوض في الجهاز التنفيذي للدولة كان (التزاما أخلاقيا)، وقد تم الالتزام في ساحة الاعتصام، وبجوار المتاريس التي ستظل شاهدة على تضحيات الثوار إلى يوم الساعة، وبهذا الالتزام سحب تجمع المهنيين بعض قياداته من ترشيحات المجلس السيادي.. والالتزام للثوار – بعدم المشاركة في الحكومة – كان يجب أن يكون أقوى وأصدق من الوثيقة الدستورية التي يستشهدون بها دفاعا عن المنصب.. فالثوار هم من قدموا مدني عباس مدني – وغيره – لتتفاوض مع المجلس العسكري، وليس الوثيقة الدستورية.
:: وبما أن الالتزام – للثوار – كان عدم مشاركة أي عضو مفاوض في الحكومة، يبقى السؤال: ما الذي حدث بحيث تركل الكتلة – أو الشُلة – التي ترشح مدني عباس للمنصب الوزاري ذاك الإلتزام الأخلاقي؟.. ثم الأدهى، كان الترشيح الأول – لمدني عباس مدني – لمنصب وزير بمجلس الوزراء.. ولكن بعد اعتذار رئيس الوزراء، أصبح مرشحا لمنصب وزير التجارة والصناعة، وهذا يعني بالبلدي (معاكم لحد الألفة)، أو كما تقول تلك الحكاية الشهيرة، فلماذا هذا الإصرار الغريب، والذي يخصم من رصيده الثوري؟
:: والمهم، على الثوار أن يحرسوا ثورتهم بحيث لا يضل طريقها.. فالحكومة الانتقالية من مراحل الثورة (الحساسة)، ونجاح هذه المرحلة يعني نجاح ثورتهم، وفشلها يعني الإحباط والتخبط وربما العودة إلى مربع القهر والفساد بانقلاب آخر.. وبما أن السادة بقوى الحرية والتغيير تواثقت على اختيار الدكتور عبد الله حمدوك لقيادة هذه المرحلة، فليس من العدل أن يلقوه في اليم مكتوفا من الأيدي – بالمحاصصات والشلليات والضغوطات – ثم يحذروه: (إياك إياك أن تبتل بالماء).. دعوه يختار أعضاء حكومته كما يشاء، وليس كما تشاء مراكز القوى التي بدأت تتوالد قبل ميلاد الحكومة!!
إليكم… الطاهر ساتي
السوداني