ثروتنا الحيوانية الضائعة !!
* قد لا يصدق البعض ان ثروتنا الحيوانية التي نتباهى بأعدادها الضخمة وتنوعها، ونحلم بأن تحقق لنا مع شقيقتها الزراعة الاستقرار الاقتصادي، لا تجد منا حتى التحصين من الأمراض الوبائية (كما كان يحدث في الماضي)، دعك من المرعى الجيد، والغذاء الجيد، وتحسين النوع، وزيادة الانتاجية، والاتجاه نحو التصنيع وايجاد اسواق خارجية ثابتة، وهى الاسس المطلوبة لتحقيق المنفعة المطلوبة من الثروة الحيوانية أو ما يطلق عليه الخبراء (الاستغلال الاقتصادي للثروة الحيوانية)، والذى بدونه ستظل الثروة الحيوانية مجرد مصدر للمباهاة والأحلام الواهية، وكنز ضائع لا قيمة له، رغم وجوده فوق الارض امام ناظرينا وليس تحتها، ولا يحتاج الى استكشاف أو تنقيب !!
* رغم التجارب الانسانية الضخمة، والخبرات السودانية المتراكمة وكمية الدراسات والاوراق العلمية المهولة التي تؤكد ان السودان يمكن ان يصبح دولة لها قيمة بالاهتمام بالثروة الحيوانية والقطاع الرعوى والمزاوجة بينه وبين القطاع الزراعي والوسائل التي تقود الى ذلك ..إلخ، إلا ان كل الحكومات السابقة ظلت تتجاهل الثروة الحيوانية وتتعامل مع وزارة الثروة الحيوانية على انها مجرد وزارة ترضيات (لا غير) تضع على رأسها أي شخص والسلام، ثم ينتهى كل شيء .. لا خطط ولا ميزانيات ولا مشروعات حالية أو مستقبلية ولا أي شيء آخر، فتظل الثروة الحيوانية كنزا ضائعا بفضل غبائنا المستحكم ونظرتنا السطحية الى ما حبانا الله به من نعم!!
* عندما استولى حزب (الجبهة القومية الاسلامية ) على السلطة في يونيو 1989 كان أول شيء فعله هو مصادرة الشاحنات المخصصة لحملات التحصين ضد وباء الطاعون البقري ضمن المشروع الأفريقي المشترك لمكافحة هذا المرض الخطير، لاستغلالها كشاحنات لنقل الجنود رغم انها لم تكن مملوكة لحكومة السودان، وإنما منحة من منظمة الوحدة الافريقية (الاتحاد الأفريقي) للمشروع المشترك الذى كان يضم عدة دول، الأمر الذى تسبب في توقف الحملة وانتشار الوباء مرة أخرى، والقضاء على كميات ضخمة من الثروة الحيوانية، وإعادة اسم السودان الى القائمة العالمية للدول التي ينتشر فيها المرض، والمساهمة في تصنيف ثروته الحيوانية في مرتبة متأخرة جدا من حيث الجودة والصلاحية، وامتناع الدول عن التعامل معها .. هذا مجرد مثل واحد فقط، ولكن هنالك آلاف الامثلة التي تبين غباء الحكومات المختلفة منذ الاستقلال وحتى اليوم في التعامل مع الثروة الحيوانية !!
* لقد حبانا الله بكمية هائلة من الثروة الحيوانية، بالإضافة الى التنوع، ولكننا ننتظر منها ان تطعمنا وتسقينا وتحقق لنا الاستقرار والثراء، بدون ان نقدم لها اى شئ .. وهو نفس فهم البعض بإطلاق المعيز اول النهار تسرح في (الكوش)، ثم ينتظر منها ان تغرقه باللبن عند أوبتها في المساء !!
* الانتفاع بالثروة الحيوانية او (الاستغلال الاقتصادي للثروة الحيوانية) يتلخص في الآتي:
1- مكافحة الأمراض
2 – تحسين المراعي
3- تحسين النوع والانتاجية
– 4التصنيع
5 – التسويق والاسواق الخارجية الثابتة
* بدون هذه النقاط الخمسة التي تحتاج الى تضافر كل الجهود في شكل خطة قومية يتبناها النظام السياسي بأكمله، وليس الوزارة أو المختصين فقط، علينا ألا ننتظر أي ثمرة من الثروة الحيوانية سوى حديث الاحلام الذى ظللنا نلوكه منذ ميلاد دولتنا وحتى اليوم !!
* لقد اسهمت الثروة الحيوانية في بناء الكثير من المجتمعات والدول ونقلها من مرحلة الفقر والتخلف الى اعظم المراتب .. تحولت هولندا من دولة يهددها الغرق الى كبرى الاقتصادات الاوروبية، وليس لديها عُشر ما لدينا من أبقار. تحولت أستراليا من قارة بعيدة ومعزولة يساق اليها المجرمون الى محط آمال واحلام الجميع بفضل الاهتمام بالضأن. أرجع الى أي فيلم كاوبوى، وستعرف كيف صارت الولايات المتحدة الاميركية اكبر دولة في العالم ولماذا صار (الكاوبوى) أو (راعى البقر) مصدر اعتزاز أي مواطن أمريكي. وهنالك مئات النماذج التي لا يتسع لها المجال. كل ذلك تحقق بالتخطيط والعمل الجاد والعرق، وليس بالأحلام السعيدة والأمنيات الطيبة والترضيات !!
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة
أقرأ مقالاتك المتميزة التي تمس مباشرة موضع الداء وجهدك في وضع الدواء. وهذة لعمري الكتابة التي نرجوها لتفتح للمختصين وللسياسيين وللعامة الآفاق لبدء التخطيط والعمل الجاد للنهوض بالوطن. الرجاء مواصلة الجهد .
استمر يا بطل لعلك تجد حياة فيمن تنادى نحن نحتاج النقد الفاضح الكاشف الذى يصل الى جلد الذات ومن لا يعترف باخطاءه وعيوبه ويصلحها لن يتقدم الى الامام ابدا فردا كان او دولة