التبول الإرادي
جنوب برج الاتصالات الذي يقابل بشموخ نهر النيل الأزرق، يقع مطعم منقول تصميما وهندسة وموقعا من الولايات المتحدة الأمريكية. المطعم يذكرك الشمال الأمريكي فمعظم المطاعم الشاطئية هناك تبدو على هذه الهيئة.
نويت مرات عديدة زيارة هذا المطعم ربما ليس بهدف الطعام ولكن تلبية لشهوة الفضول، فالفضول أكثر مضاءً من الشهوتين.
لم يتيسر لي الاستجابة لهذا النزوع لعام كامل، ولكن قبل يومين تيسر ذلك ولله الحمد والمنة.
دخلت المطعم مع زميل صحفي أحبه كثيرا وأجد متعة خاصة في الحديث إليه حول كل شيء بدءا من السياسة حتى المناشط الزوجية والأطفال، أخبرته برغبتي التاريخية الممتدة لزيارة هذا المطعم وأكدت قبل أن تتأكد المعلومة، بأن صاحب هذا المطعم عاش في أمريكا ونقل هذا التصميم للسودان وأكدت أيضا- وقبل أن أحادثه- أنه يتحدث الانجليزية بلكنة أمريكية.
دخلنا المطعم المستنسخ أمريكيا من المقاعد حتى الرسومات والقبعات المكسيكية وكانت في استقبالنا امرأة تدل طريقتها أنها زوجة صاحب المطعم ولكنها (طلعت صاحبة المطعم) ولم تخذل تكهني المسبق فقد سألتها بالإنجليزية فأجابتني (بالاكسنت الأمريكي). طلبنا وجبة مكسيكية وراطنت السيدة رطينا عذبا، لكنني لاحظت أن المطعم المزدحم بالأناقة يحتشد أيضا بذباب وفير؛ الأمر الذي يتناقض مع المثل الشعبي (الضبان تبع الليان) فلا شيء لين هنا، ولا مياه راكدة، ولما كانت الشفافية – التي (قدونا بها السياسيون)- آلية من أهم آليات البوح الصريح.. صارحت السيدة بتضايقي من الذباب وأبديت استغرابي لوجوده في الأصل. هنا تجمعت سحب غبائن في وجه صاحبة المطعم فأمرت الجرسون بنقل طاولتنا للطابق الأعلى، وبعد فراغنا من الوجبة المكسيكية قادتني السيدة للموقع الذي يأتي منه الذباب خلف المطعم، يا الله كأنك في مزرعة يحرص صاحبها على السقيا قبل الزراعة. خطوط لينة واسعة من البول الآدمي، فكل رواد كورنيش النيل يتبولون خلف المطعم، لأنه يشكل ساترا، فلا أحد يستطيع أن يرى المتبول إلا سكان الطابق الأخير من برج الاتصالات. آلاف الرواد ينتظمون لقضاء الحاجة خلف المطعم؛ لفنائه الممتد ومحميته الطبيعية وأرضه الخصبة وطبيعته الساترة.
وعدت صاحبة المطعم بمناشدة اللواء عمر نمر لحماية مطعمها من هذا التوحش الآدمي السائل الذي يرشح على مطعمها بالذباب وتشجعت أكثر عندما علمت منها أن السفير الأمريكي الأسبق كان يتناول مثل وجبتي يوميا قبل أن يبدأ نشاطه الصوفي اليومي وأرجعت أسباب مغادرته المفاجئة للسودان لهذا الذباب فالأمريكان يكرهون الشعوب النامية والذباب.
لم أناشد اللواء لأننى قابلته يوم أمس بجامعة المستقبل ولما نقلت له حسرتي وشكوى صاحبة المطعم أخبرني بأن الولاية قررت إنشاء حمامات تجارية على طول كورنيش النيل حتى أب روف وستديرها شركة أجنبية في غضون الأشهر القادمة، فحتى ذلك التاريخ ابتسمى أيتها السيدة حتى يمر الذباب!.
أقاصى الدنيا – محمد محمد خير
صحيفة السوداني