خبراء لـ”عربي21″: قضايا اقتصادية عاجلة في انتظار حمدوك
مع تولي عبد الله حمدوك القادم من تجربة اقتصادية طويلة في مؤسسات دولية وإقليمية لمنصب رئاسة الوزراء السوداني، إيذانا ببدء مرحلة جديدة تقبل عليها البلاد الغنية بالثروات الطبيعية، عقب ثلاثين عاما من حكم الرئيس المعزول عمر البشير، فقد تباينت الآراء حول مقدرة الرجل على تجاوز المعضلات الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
ومن أبرز المعضلات التي أنهكت الاقتصاد السوداني على مدار الأعوام السابقة الحصار المفروض عليه بدعوى رعايته للإرهاب، وكذلك عوامل داخلية منها عدم وجود سياسة رشيدة تدير مقدراته بصورة سليمة.
وأظهرت ملفات الفساد التي برزت حول مسؤولين كبار في الدولة، حالة النزيف في الاقتصاد السوداني، والتي تمثلت في تشوه أسعار الصرف وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، ونسبة الدين الخارجي المتفاقم، إضافة إلى العجز الذي أصاب ميزاني التجارة والمدفوعات.
وأرسل رئيس الوزراء الجديد في أول تصريح صحفي له عقب أدائه القسم الدستوري رسائل تطمينية للمواطن السوداني، الذي ينتظر حصاد ثورته في حياته المعيشية، مفادها أنه بصدد وضع خطة للتعاطي مع التحديات الطارئة، ومعالجة قضايا التضخم وتوفير السلع والعناية بالقطاعات المنتجة.
وقال: “هدفنا معالجة الأزمة الاقتصادية الطاحنة لكي لا يعتمد السودان على الهبات”.
وأشار إلى ضرورة إعادة هيكلة النظام المصرفي الذي قال إنه “شارف على الانهيار”، وأبان أن هناك قضايا ذات طبيعة صعبة سيواجهها في الأيام المقبلة.
ولفت إلى أن هناك قضايا لا تقبل المساومة مثل معالجة الفقر ومجانية التعليم والصحة.
ونوه إلى ضرورة الاستفادة من التجارب الاقتصادية العالمية، والمزج بينها في ضبط توجهات البلاد الاقتصادية واستند في ذلك إلى ما سماه بالمناخ السياسي الملائم ما يساعد على العبور بالسودان إلى بر الأمان.
وحول واقع الاقتصاد السوداني، والقضايا العاجلة التي يتوجب على الحكومة الانتقالية التدخل لمعالجتها، والفرص والتحديات التي تقف في طريق تحريك العجلة الاقتصادية، تحدثت “عربي21” إلى خبيرين في الاقتصاد السوداني، وتناولت آراءهم وتوقعاتهم حول قدرة الحكومة بالنهوض بالاقتصاد السوداني وما يتوجب عليه عمله حيال ذلك.
واقع الاقتصاد
وحول واقع الاقتصاد السوداني، أفاد الخبير الاقتصادي، محمود جحا، بأنه “لم يكن في السودان منهجية واحدة تدير الاقتصاد”، منوها أن السياسة العشوائية هي التي كانت مسيطرة على الأداء الاقتصادي.
وقال في حديثه لـ”عربي21” إن “هذه المنهجية جعلت الإنتاج يتراجع الأمر الذي أثر سلبا على العملية الاقتصادية وأنتج عددا من المشاكل مثل التضخم والفساد والبطالة ونحوه”.
وعلق على ما قاله حمدوك بسعيه لـ”دفع عجلة الإنتاج بدلا من الاعتماد على الهبات” وأوضح جحا أن هذا الأمر يسبقه “تفكيك قوانين العمل وقوانين النقد الأجنبي وقوانين الضرائب وقوانين الجمارك وما يتصل بها من قوانين مقيدة للإنتاج”.
وأشار إلى وجود فائض لدى السودان في إنتاج بعض السلع لكنه غير قادر على تسويقها، نافيا صحة المقولة القائلة بوجود عجز في الإنتاج على إطلاقها، واستدل على ذلك بنموذج الثروة الحيوانية حيث يتوافر في السودان أكثر من 130 مليون رأس من الماشية لكن “بدون أسواق”.
وشدد على ضرورة “ابتعاد الدولة عن السوق، وأن تأخذ فقط دور المشجع له، فينبغي عليها تشجيع وتحفيز كل من يريد الإنتاج”، على حد قوله.
وأكد على خطورة استمرار بسط الدولة لنفوذها على الاقتصاد، مستدلا بأن “الحكومة السودانية تمتلك أكثر من 880 شركة تتبع القطاع العام، وذلك بخلاف ما تصرح به من وجود 430 شركة حكومية”.
وأضاف: “هذه الشركات باسطة نفوذها على الاقتصاد كله، والتي تعد من أبرز المعوقات أمام الاقتصاد، وإذا قامت الحكومة بتعزيز هذا النظام فلن يحدث أي تقدم في الاقتصاد السوداني، مهما تأمن له خطوط تمويل وهبات ودعم خارجي”.
ونصح أن تقوم الدولة بتمليك المشاريع الإنتاجية إلى الجمهور من خلال شركات مساهمة عامة “في حال عدم رغبتها في تمليكها للقطاع الخاص”.
وعرج على ما سماه “التشوه في أسعار الصرف في السودان” بقوله: “البنك المركزي في السودان هو من يحدد سعر الصرف، وهو سعر إداري وغير واقعي، وبالتالي فإن المشكلة الاقتصادية ناشئة من هذه الآلية”.
وأكمل: “لا ينبغي على الحكومة أن تتحمل مسؤولية تحديد سعر الصرف، ويجب أن يكون دورها محصورا في تكييف سعر الصرف من خلال السياسات غير المباشرة المؤثرة عليه بحيث تحفظ توازن السوق”.
واقترح “إنشاء سوق للعملات في السودان، هو الذي يحدد أسعار الصرف، وعلى كل الأجهزة أن تتعامل مع هذه الأسعار الناجمة من حركة السوق، والتي تحدد السعر بشكل يومي”.
وأوضح أن المغتربين السودانيين يمتلكون قرابة الـ60 مليار دولار أمريكي، وهي كفيلة بتحريك الاقتصاد السوداني، وأن هذه الأموال “لن تدخل السودان ما لم يتأكد السودانيون من حرية السوق ومن وجود بيئة استثمارية سليمة”، مشيرا إلى أنهم “يقومون بتحويلات لمقابلة التزامات عائلية فقط، وهم لا يقومون بتحويلات رأس مالية وودائع لعدم وجود اطمئنان ولأن السياسات الاقتصادية في الدولة متغيرة، وسعر الصرف غير واقعي”.
ولفت أن سياسة الدعم الموجهة من الحكومة للسلع والخدمات سواء القمح أو الوقود أو الكهرباء وخلافه غير مجدية، ويجب أن “يعتمد الدعم المباشر والنقدي لأصحاب الحاجة من المواطنين عوضا عن الدعم السلعي”، حيث إن “كثيرا من هذه السلع المدعومة يهرب خارج السودان، أو تباع في السوق بالأسعار التجارية عبر أصحاب النفوذ الذين يحصلون عليها بالسعر المدعوم ويعيدون بيعها بالسعر التجاري”.
قضايا عاجلة
ومن جانبه، أكد الخبير الاقتصادي محمد الناير على أهمية “الاتفاق بين مكونات المجلس السيادي، من قبل المدنيين والعسكريين، بحيث يكون هناك تعاون بينهما على تحقيق المصلحة العامة للسودان”.
وشدد خلال حديثه لـ”عربي21″ على ضرورة “منح مجلس الوزراء السوداني الجديد صلاحيات كاملة بحيث ينتقل النظام من رئاسي إلى برلماني”، وكذلك “اختيار عناصر حكومة الكفاءات بمهنية عالية”،على اعتبار أن المرحلة الانتقالية قصيرة مدتها 3 سنوات و3 شهور، منوها إلى أن “اختيار عبد الله حمدوك كان اختيارا موفقا، لما يتمتع به قبول وعلاقات لدى المؤسسات الإقليمية والمحلية”.
وتوقع أن يكون لاختيار حمدوك رئيسا لوزراء السودان “انعكاس إيجابي على الواقع السياسي والاقتصادي في السودان”.
ومن وجهة نظره فإن أول القضايا العاجلة التي يتوجب على الحكومة الجديدة التحرك لمعالجتها “رفع اسم السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب، لأن السودان لم يستفد من رفع الحصار الأمريكي الذي تم في عام 2017، حيث لا زالت المؤسسات الدولية والمصارف تنظر بأن السودان من الدول الراعية للإرهاب مما يعيق أداء المصارف السودانية”.
وأكمل “من شأن ذلك أن يسهل قضية المطالبة بإعفاء السودان من الديون الخارجية التي تبلغ 56 مليار دولار”، منوها أن الدين الفعلي هو 17 مليار دولار فقط، وأن ضعفي حجم الدين الفعلي ناجم عن فوائد وجزاءات خدمة الدين”.
وتابع: “متوقع أن يتيح رفع السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب الحصول على ديون بشروط ميسرة من مؤسسات التمويل الدولية كصندوق النقد والبنك الدولي”.
معالجات داخلية
وفي إطار المعالجات داخلية التي لها أولوية وفق الخبير الناير أنه “لا بد من إعادة بناء الثقة بين المصارف السودانية وعملائها في داخل السودان، لكي تعود قضية التوريدات في المصارف كما كانت عليه في السابق”.
ولفت إلى ضرورة “إزالة الظواهر السالبة في الاقتصاد مثل سعر الدولار في السوق الموازي له الذي له سعران، بما يشير إلى وجود تشوهات في الاقتصاد السوداني، كما أن معظم السلع والخدمات لها أكثر من سعر”.
ويرى أن “قضية الذهب واحدة من الموارد الداخلية المهمة التي يمكن الاستفادة منها”، قائلا: “السودان ينتج حوالي 100 طن كمتوسط سنويا من الذهب، لكن المصدر منه إلى الخارج لا يتجاوز 20 إلى 25 طن في السنة، وأن 75 في المئة من الذهب المنتج إمام مهرب أو مخزن، وبالتالي لا يستفيد منه الاقتصاد”.
ويعتقد أنه “يجب إنشاء بورصة للذهب في السودان تمنح أسعارا مجدية للمعدنين، حتى يتم الحد من التهريب بما يحقق استفادة للاقتصاد السوداني بصورة كبيرة، في حال تم السيطرة على هذا المعدن النفيس”.
وطالب الحكومة بالجلوس مع المغتربين السودانيين والنظر إلى احتياجاتهم، وتقديم حوافز لهم، لضمان دخول تحويلاتهم المالية من النقد عبر القنوات الرسمية بما يعالج العجز في ميزان المدفوعات”.
وقال: “هذه معالجات في المدى القصير وليس لها علاقة بالعالم الخارجية”.
وشدد على ضرورة حسم ملف قضايا الفساد من خلال تفعيل مبدأ المحاسبة وتطبيق ذلك على كل المسؤولين الذين تقلدوا مناصب خلال الفترات السابقة، مستطردا بقوله “هذا من شانه أن يعيد أموالا كبيرة لخزينة الدولة سواء بالعملة المحلية أو الأجنبية أو على شكل عقارات أو مركبات أو غيرها من الأشكال المملوكة”.
ودعا الحكومة إلى التحول نحو مسألة الدفع الالكتروني باعتبارها قضية مهمة، وتعويد المواطن السوداني على التعامل الالكتروني، وذلك لحل أزمة السيولة النقدية، مشيرا إلى أن الحل الأفضل هو أن تلجأ الدولة لقرار تبديل العملة “رغم صعوبته” .
وعلل ذلك بقوله “يجب إعادة تنظيم الكتلة النقدية داخل الجهاز المصرفي السوداني، لأن 97 في المئة من العملة النقدية موجودة خارج النظام المصرفي ما سبب تشوهات كبيرة في الاقتصاد السوداني”.
وإضافة لذلك عدد الخبير الاقتصادي ما تمتلكه السودان من ثروات حيوانية وزراعية ونفطية ومياه كبيرة بحاجة إلى إدخالها في عمليات تصنيعية بما يرفع من قيمتها المضافة، ويساهم في تصديرها بجودة عالية إلى الخارج، لافتا إلى أن السودان غني بالمناطق السياحية والساحلية، وموقعه الاستراتيجي يؤهله لتنفيذ مشاريع كبير كإنشاء مطار دولي، ما يساهم في تحسين عجلة الاقتصاد السوداني”.
وختم الناير بقوله: “يوجد تجاوب إقليمي ودولي إيجابي مع التغييرات الجديدة في السودان، مؤكدا على الرسالة التي ذكرها ممثل قوى الحرية والتغيير محمد ناجي الأصم في حديثه حينما تم توقيع الوثيقة الدستورية والتي قال فيها: “نحن سنعتمد على مواردنا الداخلية، ما يعني أن السودان قادر بكل إمكاناته وموارده على التغلب على كل العقبات التي تواجه الاقتصاد السوداني”، وأن “السودان لن يقبل في عهده الجديد بالهبات والمنح والإعانات والتمويل المشروط بما يمس مكانته بين الدول”.
العربي21