قطار السودان .. والمحطة الأخيرة
وقّع المجلس العسكرى الانتقالى السودانى وقوى الحرية والتغيير بصفة نهائية على الوثيقة الدستورية والإعلان السياسى للمرحلة الانتقالية، فى مراسم حفل سُمى «فرح السودان».
كان البعض يستبعد حدوث هذا التوافق بسبب بعض الخلافات العميقة بين القوى المسيطرة على الحكم من جهة، والتحرك الشعبى من جهة أخرى، لكن الاتفاق تم، ووقّع الطرفان فعلًا على وثيقة تحدد تفاصيل فترة حكم انتقالية مدتها 39 شهرًا تنتهى بإجراء انتخابات.
ورغم الاحتفالات التى عمت شوارع الخرطوم وكل المدن السودانية إلا أن مقاطعة مكونات سودانية أساسية، كالجبهة الثورية والحزب الشيوعى، تلقى بظلالها على الحدث، إذ اشتكيا وغيرهما من تهميشهم أثناء المحادثات، ما ينذر بصعوبة إبقاء الجبهة المعارضة موحدة، بل إن هناك بعض المتشككين فى النوايا عبّروا عن تخوفهم من أن الإعلان الدستورى والوثيقة السياسية ما هو إلا مجرد حبر على ورق، وأن أزمة التحول الديمقراطى ستعترضها عقبة وراء أخرى، حيث بقيت التساؤلات مفتوحة حول مصير الملفات الشائكة من بنية الدولة ونظامها، فضلًا عن الأوضاع الاقتصادية التى كانت الشرارة الأولى للتحرك الشعبى.
وأرى أن عدم معالجة هذه الهواجس سيستدرج الخرطوم إلى منطقة أخرى من الأزمات، ولكنى لست متشككًا فى أن الجميع سيفعل ما بوسعه من أجل العبور من المرحلة الخطرة التى كانت السودان عندها على جرف حرب أهلية لا يعلم أحد عقباها.
التخوفات من المستقبل كثيرة وجائزة للغاية، فالتجارب السابقة، سواء داخل السودان أو خارجه، لا تفى بغرض الاطمئنان. ولكن هناك إيجابيات أرى أنها تحققت بهذا التوقيع، بل من المتوقع أن تنزع فتيل أزمات خلال الفترة المقبلة، وحتى حدوث انتخابات حرة ديمقراطية.
من بين تلك الإيجابيات إنهاء حالة الارتباك السياسى التى يعيشها السودان خلال هذه الأيام، إضافة إلى تجنب مآل ثورات وُلدت فى بعض البلاد العربية، وذهبت إلى نزاعات مسلحة كسوريا وليبيا، بل تحولت إلى بؤر لاستقطاب التنظيمات الإسلامية المسلحة، ما استدعى تدخلًا غربيًا وقتالًا عنيفًا فيها.
ومن الإيجابيات أيضًا الحضور العربى والعالمى الكبير الذى شهده حفل التوقيع، وهو الأمر الذى يدل على المساندة الكبيرة من العالم للاتفاق، ولطبيعة المرحلة الانتقالية فى السودان، حيث شاركت فى تشكيلها قوى عربية ودولية عديدة، وإن كان الجانب الإثيوبى صاحب الإنجاز الأكبر والمشاركة الأهم.
أتمنى أن يكون «فرح السودان» هو بداية لسلسلة أفراح متعددة فى كل المدن السودانية. أتمنى أن يكون «فرح السودان» هو بداية لمرحلة من الاستقرار فى هذا البلد العربى الشقيق، الذى عانى من أزمات متعددة.
هى مجرد أمنيات أود أن تتحقق، لأن البلد المتخم بالمشكلات لا يتحمل انطلاق قطار آخر للثورة بعد وصوله إلى محطة تقول قوى المعارضة إنها «نهائية».
المصري اليوم