هل تستجيب الحكومة الانتقالية لما يريده السودانيون
فرح السودان كان شعار الاحتفال بالتوقيع النهائي على وثائق الفترة الانتقالية بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير يوم امس حيث عبرت جموع المواطنين التى خرجت الى الشوارع والساحات عن فرحتهم بهذا الاتفاق تأكيدا على نجاح الثورة التى اندلعت في ديسمبر من العام الماضى وأسقطت نظام الإنقاذ الذى استمر يحكم لثلاثين عاما واعتبروا أن هذا الاتفاق هو مرحلة جديدة من تاريخ البلاد. البانوراما التى قدمت خلال الاحتفال جسدت التظاهرات منذ لحظة اندلاعها الاولى في عواصم ولايات البلاد المختلفة وحتى ساحة الاعتصام واظهرت ذلك التلاحم الذى تم بين مكونات الحراك الثورى بخلفية اغنية الفنان محمد وردي حيث تعالت الأصوات داخل القاعة مرددة كلماتها (ياشعبا لهبت ثوريتك ،انت تلقى مرادك والفي نيتك ) .
والسؤال المهم هو ما الذى يريده الشعب السودانى ؟ وما الذى في نيته ليلقاه اويحصل عليه؟
من المعلوم أن الشباب والشابات وعموم المواطنين الذين خرجوا الى التظاهر وأسقطوا النظام يمثلون الشعب السودانى بتنوعه ومعلوم أن المرجعية التى اعطت السلطة لطرفي الاتفاق هو الشعب السوداني الذى ثار وبذل الروح والدم والزمن والمال والجهد؛ بمعنى أن مصدر سلطة المجلس العسكرى وقوى الحرية والتغيير هو الثورة السودانية كتفويض استثنائى غير مبني على اساس فكري معين مما يعني انه يجب الاحتكام الى مصدر التفويض من أجل تحديد أهداف وسمات المرحلة المقبلة .
لذا ماذا يريد الشعب السودانى الذى قابل هذا الاتفاق بكثير من الأمل والتفاؤل؟ .
بروفيسور محمد حسين ابو صالح الخبير الاستراتيجى والمفكر المعروف قال: لابد من التأكيد على أن الشعب السوداني لم يخرج للشارع من أجل رغيف الخبز وتوفير السيولة والوقود ، بل مثلت هذه الأزمات القشة التي قصمت ظهر البعير، موضحا ان التحليل العلمي الدقيق يشير إلى أن الشباب السوداني ظل يرقب ويرصد من خلال العقل الواعي واللاوعي لمشاهد النهضة في العالم ليرى النجاح والإبداع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وممارسة الحكم الراشد وإعلاء قيمة الوطن والعلم والإبداع والمؤسسية والقانون، يتدفق باستمرار على الساحة العالمية مثلما حدث فى كوريا الجنوبية، والبرازيل، سنغافورة، نمور آسيا، انتهاءً بالمعجزة الأفريقية رواندا، وقال عندما يتجه النظر للداخل يكتشف التخلف التنموي والفقر ، مقروناً بفساد يزكم الأنوف وممارسة سياسية غالباً ما تفتقد للعلمية وتُعلي مصالح الأفراد والسياسيين على حساب الوطن والمواطن، تسودها المحسوبية والتمييز عبر ما يسمى بالتمكين، لتنشأ القناعة الراسخة واليأس المؤكد من استحالة تحقيق الأجندة الوطنية في ظل النظام السابق، لذلك برز مصطلح تسقط بس، كناية عن حالة من الإحباط وفقدان الأمل في النظام القديم.
وأضاف برفيسور ابو صالح ان تحليل شعارات الثورة وطبيعة الحياة الاجتماعية التي جرت في ساحات الاعتصام والأشعار والقصائد ، أظهر بوضوح أهداف ومقاصد الثورة مبينا ان الثورة شكلت احتشادا وجدانيا من طراز فريد ، مقروناً بإرادة قوية استطاعت إسقاط النظام السابق و تطور الاحتشاد الوجداني والإرادة القوية من هدف الإسقاط إلى تحقيق النهضة والمحافظة على وحدة الشعب والتراب السوداني.
وأضاف أن إسقاط النظام يعني بنظر الثوار إسقاط للممارسة التقليدية للسياسة وإسقاط للفكر والتفكير التقليدي وإسقاط للفساد والمحسوبية والتمييز والعنصرية وإسقاط لكل ما يمتهن عزة الدولة وكرامة المواطن السوداني، مضيفا انه يعني الرغبة في وضع جديد يعبر عن عكس سلبيات النظام السابق ، يحلم فيه الثوار بسودان مختلف وأهداف مختلفة وسلوك مختلف، سودان بأهداف كبرى تتناسب وتاريخه وموارده البشرية والمادية ومزاياه المختلفة .
واضاف ؛ يرى الثوار أن السودان بحاجة لتغيير طريقة التفكير وطريقة إدارة الدولة من أجل تحقيق النهضة الشاملة الطموحة في السودان .
وقال: يرغب الثوار في إعادة إنتاج نموذج سوداني مشرف من خلال إقامة دولة مدنية، دولة تحمي وتحافظ على كل اعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية او الدينية او الفكرية بفهم روح الإسلام، التى تقوم على السلام والتسامح، أساسها الحرية والسلام والعدالة، تنتهج الديمقراطية المرتكزة على العلم والإبداع والأخلاق، يتم تداول السلطة فيها سلمياً.كما تقوم على الهوية السودانية، تسقط فيها العصبيات الجهوية والقبلية ، وتسقط فيها أي ممارسات تقوم على الجهوية والقبلية والحزبية، تؤسس للعدالة بمفهومها الواسع، العدالة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية كما تؤسس للمساواة في الحقوق والواجبات وممارسة الحقوق وفق المواطنة، وتقوم على إقرار الحريات في الدستور وإتباعها بالممارسة على الأرض.
يتم فيها ممارسة الحكم الراشد من شفافية ومحاسبة وسيادة للقانون ، من خلال مؤسسات قومية سواء مدنية أو عسكرية، مع رد المظالم والحقوق، ومحاسبة كل من أفسد وأجرم من النظام السابق وتشكيل الآليات اللازمة لذلك ، مع عدم استخدام الدين لأجندة سياسية ضيقة.
يرغب الثوار في سودان يسع الجميع يسوده السلام الاجتماعي الذي يحترم التنوع ويحترم الآخر ، يؤسس فيه لمجتمع متكافل متراحم تسوده ثقافة السلام والتسامح والإحساس بالآخر، يتم تحقيق السلام فيه بالطرق السلمية، ننبذ فيه العنف، سواء عنف الكلمة أو عنف السلاح.
يرغب الثوار في تعزيز الإرادة السودانية وعزة وكرامة السودان وعزة وكرامة المواطن السوداني مما يعني الحاجة لاستراتيجيات وسياسات تحقق ذلك.
يرى الثوار ضرورة تولي القيادة المؤهلين بغض النظر عن انتماءاتهم وأن يوكل العمل العام للمؤهل علمياً وأخلاقياً، وتأسيس خدمة مدنية على كفاءة، مع المحافظة على قومية القوات المسلحة والقوات النظامية.
وقال إن ذلك كله يعني الحاجة لمشروع حلم سوداني يعبر عن وجدان الجميع.
وقال بروفيسور ابوصالح: نحن ظللنا دون غايات وطنية مجمع عليها، دون حلم طوال ما بعد الاستقلال ، لذلك ظللنا دون إرادة طوال 63 عاما وأن الفرصة سانحة لتحقيق ذلك.
وأكد أن طبيعة المرحلة القادمة هي تأسيسية وليست انتقالية فقط، وأن بلورة خيارنا الوطني للعقود الثلاثة القادمة لا يمكن أن يتم عبر رؤية تيار أو تنظيم يعبر عن جانب من مكونات الشعب السوداني، الشيء الذي يدعو لاستدعاء مفهوم الدولة وبلورة الخطوات والرؤى والأجهزة المطلوبة لتحقيق أهداف الثورة .
وقال إن هذه الإرادة الوطنية بالغة القوة التي قادت لإسقاط النظام، تحتاج لتمتد لتشمل الإرادة القوية لتحقيق نهضة السودان.
إن الشعب السودانى حتماً يستحق ان يحصل على مبتغاه وأن يلقى مراده؛ ولكن مخالفة مبدأ التفويض الأخلاقي الممنوح من الثورة لطرفي الاتفاق سيقود الى تدمير التلاحم الذى تشكل في الفترة الماضية لتضيع بالتالي فرصة ذهبية لبناء الارادة الوطنية حول غايات وطنية او حلم سودانى .
تقرير حنان حسن
الخرطوم 18-8-2019م(سونا)